تقرير/ عبدالحفيظ الحطامي
تهامة ذات أهمية استراتيجية كونها سلَة غذائية لليمن يمكن أن يكتفي اليمن منها، وتصدر فائضاً في الغذاء للخليج والمنطقة العربية، فـ"إذا زرعت تهامة شبع الناس إلى يوم القيامة"، وهذا مثل شعبي تاريخي لم يُقل إلا عن تجربة وخلاصة خبرة.
مجلة المنبر اليمني؛ وانطلاقاً من أهمية رسالتها الإعلامية في تسليط الأضواء على مناطق اليمن جميعها، بما تمتلكه من مخزون استراتيجي للثروة بمختلف أنوعها، كان لها وقفة مع منطقة من أهم وأغنى مناطق اليمن؛ إنها "تهامة".
انحسار بعد ازدهار:
إن ما يؤسف له أن السهل التهامي الخصيب لمحافظة الحديدة شهد انحساراً كبيراً في النشاط الزراعي منذ ثمانيات القرن الماضي استناداً إلى تقارير صادرة عن الحكومات السابقة وتقارير دولية معنية بالإنتاج الزراعي في اليمن، بعد أن كان سكان السهل التهامي يأكلون مما يزرعون، وكانت منتجاته من الحبوب والقطن والسمسم والخضروات، تُصدر عبر البحر الأحمر، لتصل بعضها -وخاصة الحبوب- إلى دول إفريقية ودول المغرب العربي؛ ولتوافر عوامل الزراعة والموارد المائية والتربة الخصبة والأودية الزراعية واليد العاملة المكدودة بالأرض، كانت هناك إمكانية لحدوث نهضة زراعية هائلة في تهامة.
إن نهضة سهل تهامة مرهونة بتوافر الإدارة، والتخطيط، والدعم الزراعي، والتفكير الاستراتيجي للمستقبل؛ فإن وجدت هذه العوامل فإن تهامة ستشكل سلة غذائية لليمن والوطن العربي.
يتميز سهل تهامة بمساحة جغرافية كبيرة كلها صالحة للزراعة، وهي جزء من محافظة الحديدة التي تقدر مساحتها بـ 13178 كم2، وعدد السكان 2.500.000 اثنان مليون ونصف نسمة، وفيها أودية خصيبة ومشهورة تاريخياً، بنيت على ضفافها دول تاريخية، وأبرز تلك الأودية: زبيد، وسهام، وسردود، ومور، ورماع، وأودية كثيرة فرعية تنحدر من السلسلة الجبلية الغربية، تعدُّ من أخصب السهول الزراعية؛ ليس على مستوى اليمن بل على مستوى الوطن العربي.
الحاجة إلى سياسة استثمار زراعية:
المشكلات التي تعانيها الزراعة في تهامة منذ عقود، بافتقارها إلى سياسة تسويق وتصدير، وافتقارها إلى سياسة للاستثمار، ولا سيما بعدم وجود قرار وطني مستقل يسمح بإنشاء نهضة زراعية؛ وبسبب ذلك يلحق المزارعين كثير من الخسائر، وقد يضطر المزارعون في تهامة إلى التخلص من منتجات زراعية، وبيعها بأسعار لا تفي بقيمة زراعتها؛ وخاصة في مواسم زراعة الخضروات، وبعض الفواكه كالتمور والخضروات، وغيرها.
المهندس رفعت فقيرة - وهو خبير ومهندس زراعي في تطوير تهامة- يقول: الأمر يحتاج إلى إدارة وشركات متخصصة في التسويق، وتنظيم الإنتاج، وإدخال أصناف ذات إنتاجية عالية من أصناف عالمية تم العمل بها في بعض البلدان المتطورة، وأثبتت جدواها أو ما يسمى بالأصناف المهجنة، وإنتاجها اليوم يفوق الطلب الحالي؛ لعدم وجود أسواق خارجية.
تقنية التصنيع الغذائي:
يضيف المهندس رفعت: يستوجب الأمر إدخال تقنية التصنيع الغذائي؛ لأن الاعتماد على الإنتاج الموسمي يزيد العرض، ويقل فيه الطلب؛ لعدم فتح سوق تصدير خارجي، وهو ما يسبب خسائر للمزارعين، مثل: منتجات الطماطم، والمانجو، والبلح؛ لكون هذه المحاصيل ومثيلاتها تحتاج إلى تقنية محدودة للحفظ والتخزين؛ ولكونها محاصيل يلائمها مناخ سهل تهامة؛ مما يجعل بعض المزارعين يتوجهون نحو زراعة التنباك والتبغ؛ لسهولة حفظه، وتخزينه، وتصديره.
وأضاف المهندس فقيرة: يعد القطن من المحاصيل التي أحجم المزارعون عن زراعتها بعد أن كانت مشهورة؛ لعدم وجود أسواق خارجية، ومصانع داخلية، ومثل ذلك الخضروات والفواكه، كالباباي، ومنتجات البامية، والطماطم، والبطاط، والحبحب، والشمام، والموز، والمانجو، وغيرها.
توعية المزارعين:
من جهته أكد الشيخ هادي هيج -مسؤول جمعيات زراعية في وادي مور- أن لتهامة مخزوناً جوفياً من الماء العذب، وفي الفترة الأخيرة اتجه المزارعون إلى زراعة الموز؛ وهذه الفاكهة تحتاج إلى كمية كبيرة من الماء، ويزيد استنزاف المياه الجوفية السقي بالطريقة البدائية؛ ولهذا يحتاج المزارع إلى التوعية، وإيجاد شبكات الري النقطي؛ لتقليل الاستنزاف، والحفاظ على ما تبقى من هذه الكمية. ويحتاج المزارع أيضاً إلى الطرق الحديثة لاختيار نوع الزراعة وطرقها، ومن الضرورة وجود الإرشاد الزراعي؛ لتوعية هذا المزارع أو ذاك. ومن عوائق استخراج المياه الطرق القديمة كالمواطير المستخدمة بالديزل، والمضخات العادية، وهذه الطريقة التقليدية تضاعف المشاكل لدى المزارع.
تهامة تحتاج الإرادة والإدارة:
تهامة أرضاً وإنساناً، بيئة زراعية وافرة بالخير والعطاء، شريطة توفر الإرادة والإدارة، التي تذلل الصعاب، وتشجع الاستثمار، وتمنح المزايا، وتوفر البنية التحتية الجاذبة لرؤوس الأموال، وإيجاد المقومات الأساسية، ما لم فسيبقى الإنسان التهامي واليمني يموت جوعاً على ضفاف أودية عامرة بالحياة، ويضع علامات استفهام كثيرة على تعمد إهمال هذا السهل ونسيانه.