×

تحذير

JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 340

مساجد صنعاء.. من التنوير والوعظ إلى مَلازم بأفكار خمينية

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

 

أمجد الأحمد

كانت صنعاء كتابًا مفتوحً، تحتوي صفحاته على المفاهيم الفكرية الإسلامية والسياسية المختلفة، حتى جاء الحوثيون فحولوها إلى "ملزمة" تختزل مدينة ضاربة جذورها في التاريخ بأفكار حسين الحوثي الممتدة إلى الفكرة الخمينية في إيران.

في مساجد صنعاء التاريخية والحديثة تعددت المنابر، وكراسي العلم، ودرس طلاب العلم المذاهب الخمسة، وارتفع سقف الاجتهاد الفقهي حتى صار القاضي محمد بن إسماعيل العمراني الأصولي السني في بيئة زيدية، واشتد الجدل الفكري فيها، إلا أنه لم يصل بالسلطة الحاكمة في عهد الدولة اليمنية الحديثة إلى مصادرة حرية التمذهب، وقولبة الأفكار في قالب واحد، والاستقواء بقوة السلاح.

ولما جاء الحوثيون وسيطروا على صنعاء في سبتمبر 2014م، جلبوا معهم مخزون كبير من التعبئة الانتقامية ضد المخالفين، فصادروا منابر الخطابة والمساجد المناهضة لمفاهيم الكهنوت الرافضة للعبودية باسم الإسلام، وكأنهم بهذا التجريف لهوية المساجد اليمنية أعادوا قصة عبدالله بن حمزة، حين قتل ألف شخص من فرقة المطرّفية بعد أن خالفوه في مسألة أحقّية الحكم من البطنين.

ونتيجة لهذه الموجة الانتقامية ضد المساجد غادر غالبية أئمة المساجد وخطبائها من صنعاء، وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلى خارج البلاد، أو إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، وتعرّض كثير منهم للاختطافات والإخفاء في السجون، وجزء منهم اعتكف في منزله بعد أن صادروا مسجده ومنبر الخطابة الخاصة به، وفوق ذلك فجر الحوثيون -وفقاً لدراسة استقصائية- نحو 157 مسجداً، عمدت الميليشيا إلى تدميرها أو تحويلها إلى ثكنات عسكرية.

ولأن الحوثيين لم يتمكنوا من السيطرة على جميع المساجد المنتشرة في مناطق سيطرتهم -لقلة الكادر لديهم- فقد أبقوا على بعض أئمة وخطباء المساجد، ولكن بعد مصادرة حريتهم في نقد وتقويم منكرات الحوثيين، فأصبحت المنابر تتماشى مع منكرات الحوثيين، وتشاهد الخطأ دون تصحيحه، وكل ما مرّت السنوات فرضت الجماعة عليهم قضايا للحديث عنها في خطب يوم الجمعة، كأن يصف اليمنيين المناهضين لمشروعها بـ"المنافقين، والمرتزقة، وأهل الباطل، والموالين للكافرين".

 

اضطهاد وتجريف للهوية

لم يكتف الحوثيون بالعلاقة القائمة على الاضطهاد مع أئمة المساجد وخطبائها، ولكن اتجهوا أكثر إلى محاولة تجريف هويتهم الدينية والفكرية من خلال فرض دورات ثقافية عليهم، تستمر من ثلاثة إلى عشرة أيام، يقضيها خطباء وأئمة المساجد في مكان غير معروف، يخصصه الحوثيون، ويتلقون فيه دروساً عن مفاهيم وأفكار حسين الحوثي التي تركها في "ملازم"؛ تحتوي على مفاهيم غايتها الدعوة إلى الإيمان بـ"الولاية" التي يُمثلها أعلام من الحوثيين، وتتمثل حالياً بعبد الملك الحوثي، وكذلك وصف الرافضين لهذا المشروع بأنهم موالون لـ" الكفار وأمريكا وإسرائيل".

قبل أيام سألت خطيباً وإماماً في أحد مساجد محافظة إب، عن وضعهم مع الحوثيين، فقال:

"يحاول الحوثيون بشكل دائم أن يفرضوا علينا الذهاب إلى الدورات الثقافية، يقوم بها مُشرف المديرية التي يقع مسجدي في نطاقها، لكن طالما كنت أختلق أعذاراً في عدم الذهاب، إلا أن هذا المشرف -ويُدعى بأبي محمد السيقل- يطلق دائمًا تهديدات بأن من سيحضر الدورات سيبقى في مسجده، ومن سيتغيّب سيغير ويستبدل بشخص آخر".

ولا تقتصر المشكلة هُنا في تهديد الحوثيين للخطباء وأئمة المساجد في منعهم من الخطابة، ولكن في إخراجهم مع أسرهم من السكن التابع للمسجد ومصادرته لإمام آخر موالٍ لهم، وهذا يعدّ أقسى أنواع الاضطهاد والإذلال، في ظرف يعيش الناس في اليمن أصعب حياتهم المعيشية، وعدم قدرتهم على تلبية احتياجات أسرهم اليومية.

يقول خطيب مسجد في صنعاء -بعد أن سألته في ذات الموضوع حول ابتزازهم من قبل الحوثيين- فقال: إن الحوثيين كثفوا مؤخراً من الدعوات لخطباء وأئمة المساجد إلى الدورات الثقافية، وهناك كثير من الخطباء ذهبوا إلى الدورات، ومن رفض الحضور أوقفوه من الخطابة، وأخرجوه من المبنى الذي يسكن فيه التابع للمسجد".

 هذه الصورة من العلاقة بين الحوثيين وخطباء المساجد القائمة على الاضطهاد، هي الصورة الفعلية والحاصلة في عموم المناطق التي ما تزال تحت سيطرتهم، خلافاً لما يصوره الحوثيون بأنهم متعايشون مع المساجد التابعة، سواء للسلفيين أم الإصلاح.

صحيح أن هناك مساجد ما تزال بيد هذه التيارات الدعوية، لكن أصحابها لا يقدرون على مخالفة الحوثيين، وتبيين جرائمها وأخطائها ومروقها عن منهج الاسلام الصحيح ومقاصده، وبهذا تكون ميليشيا الحوثي مستفيدة من بقاء هذه المساجد للحديث بأنها متعايشة مع الآخر، باعتبارها صارت سلطة وليست جماعة طائفية.

ومع ذلك، فالحوثيون لن يتركوا لخطباء المساجد منابرهم حتى وإن تمكّنوا من فرض أفكارهم على خطباء المساجد؛ لأن هدفهم في الأخير هو السيطرة على المساجد، وإعلان الصرخة في المنابر، وإطلاقها نهاية كل خطبة جمعة، فمثلا: شاهدنا جامع هايل وسط صنعاء عقب دخول الحوثيين صنعاء حين غادر الخطيب الأول المعادي لفكر الحوثيين، ثم أتى خطيب آخر لا يتحدّث عن الحوثيين ويهاجم خصومهم، ولم يكتفوا بذلك؛ لأنه ما يزال بنظرهم من أصحاب "المنهج التكفيري" ففرضوا خطيباً حوثياً يؤدّي في نهاية كل خطبة صرخة وشعار إيران أمام المصلين.

وللتأكيد أن هذه الميليشيا ما تزال تعيش في حالة ارتياب من المواطنين الرافضين لهؤلاء الخطباء الحوثيين ودعوتهم الطائفية المشحونة بالكراهية، فقد وضعت في كثير من المساجد المغتصبة في صنعاء حاجزاً أمنياً أمام بوابات المساجد لتفتيش المصلين، وهذا ما لم يحدث من قبل في تاريخ اليمن الحديث.

 ومع هذا التحشيد المكثف لتغيير هوية المساجد اليمنية، وإحلال هوية دخيلة، واستمرار علاقة الإذلال ضد الخطباء والدعاة وأئمة المساجد؛ فإن المواطنين ما يزالون في حالة رفض لهذا الفكرة الدخيلة، وبهذا الرفض- إن استمر- ستعود مساجد صنعاء وغيرها في بقية المحافظات إلى هويتها، ودورها في الوعظ والتنوير، وطي ملازم الحوثي الممسوسة بشيطان الخميني.

 

 

مجلة (المنبر اليمني): مجلة شهرية تصدر شهريا عن المنبر اليمني للدراسات والإعلام، وهي مجلة جامعة تعنى بالشأن اليمني، وهي منبر لكل يمني، خطابها: اليمن الواحد الحر المتحرر من الظلم والطغيان والفساد والإجرام.

Whats App.: +967 7124 33504

الشبكات الاجتماعية