×

تحذير

JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 340

إعطاب الهوية اليمنية بالدورات الحوثية الطائفية

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


 

أمجد الأحمد

قبل 3 أعوام، تناقشت مع ضابط في "الحرس الجمهوري" سابقًا، استقطبه الحوثيون إلى ما يسمى بـ"بالدورات الثقافية" في مكان ما غير معروف بالعاصمة صنعاء، وتحدث عن البرنامج اليومي الذي عرضوه عليهم، وعن ذلك المكان المجهول، يقول: بدأ الحوثيون بعرض أفلام وثائقية عن الحرب في اليمن، ثم عن أمريكا وإسرائيل، وحقيقة نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح وعلاقته بأمريكا، وهي أفلام من صنع مخيلتهم الغارقة في عقيدة المؤامرة؛ لغرض فكفكة العقيدة الوطنية لدى ضباط الجيش، وسلخهم من هويتهم اليمنية، وإحلال هويتهم السلالية الوافدة من إيران.

شرعوا في هذه البرامج بعرض مكانة زعيم الحوثيين وعلاقته بنظرية "الإمام المجدد" لكل قرن، وهي نظرية تعتقد الميليشيا أن لكل قرن يأتي مجدد للإسلام من سلالة الهاشميين الفاطميين، غير أن الضابط اعترض حديث مشرف الدورة، وقال له: إذا كنتم تقولون إن حسين الحوثي هو المجدد، فكيف تقولون إن عبدالملك هو أيضًا مجدد؛ لأن المجدد لا يخرج إلا كل 100 عام؟

لم يجد المشرف الحوثي إجابة، كما قال الضابط، ولكن وجد أن لا فائدة من شخص يناقش ويعترض، فخرج الضابط وهو معتقد أن ما يجري في هذه الدورات هو غسيل لعقول الشباب، وترسيخ هوية الإمامة الخمينية بديلًا عن الهوية اليمنية.  

تلك الهوية اليمنية التي أقامت حضارة قبل الإسلام على مبدأ التسامح الديني، فكانت في عهد الدولة المعينية ملجأ للطائفة اليهودية من اضطهاد المسيحيين، الرومان، بل وملجأ للمسيحية فيما بعد، وبعد الإسلام كانت حاضنة علمية للمذاهب والأفكار المتعددة، حتى كانت تلك البيئة أحد أسباب قدوم يحيى الرسي 284هـ، غير أنه انقلب على هذا البيئة المتسامحة بتجذير الصراع السياسي الدموي بعدما أعلن أن السلطة حقٌّ إلهيٌّ محصورٌ في سلالتهم.

استراتيجية الاستقطاب

يبدأ الحوثيون باستقطاب الشباب إلى هذا الدورات الطائفية من الحارات، وهي نقطة الانطلاق، فيقوم المشرف الثقافي في كلِّ حارة بتسجيل الأسماء حتى تكتمل القائمة المحددة، ويجمعونهم في يوم محدد، ويحملونهم في أحد الباصات، وينقلونهم إلى أماكن لا يعرفونها نتيجة لوجود ملصقات سوداء محاطة بزجاج الباص، فيجدون أنفسهم في المكان المخصص لإقامة الدورة.

يعزلون الشباب في هذه الأماكن عن أهاليهم تمامًا، ويأخذون منهم هواتفهم النقالة، ويبدأ برنامج الدورات، وهذه البرامج تختلف باختلاف نوعية المستهدفين، فإذا كان المستهدفون ضباطًا في الجيش يقومون بعرض أفلام حول ما يسمّونه "خيانة النظام السابق وعلاقة الحكومة الحالية بأمريكا واسرائيل"، وإذا كانوا خطباء مساجد يحرضوهم على حثّ المواطنين على "الجهاد في سبيل لله ومجاهدة الكفار والمنافقين"، وتصوير أن هذه الحرب هي مقدمة لتحرير فلسطين من اليهود، وإذا كانوا شبابًا يعطونهم لمحات عن الصراع التاريخي بين المسلمين ومظلومية الحسين، وأن ما يجري حاليًا من حرب ما هي إلا امتداد لتلك المعركة.

ومهما كان اختلاف المواضيع إلا أنهم في الأخير يعملون على توصيل هدفهم الأساسي، وهو ترسيخ دولة الحوثي القائمة على الولاية الهاشمية الفاطمية التي سعت إلى إقامتها السلالة منذ قدوم يحيى الرسي إلى اليمن، حتى تمكّنوا من إعلان الدولة القاسمية -أول دولة سلالية قائمة على "الإمامة"- وهي اليوم امتداد للمشروع الإيراني في المنطقة.

وقد ظهرت هذه الأهداف جليًا في تكرس مشروع الفكر والهوية الإيرانية، والسخرية من الهوية اليمنية في ملازم حسين الحوثي ومحاضراته، والتي يتم عرضها في الدورات الثقافية.

وإلى جانب ترسيخ فكرهم المستمد من إيران، يعززون مفهوم "


يتعرض اليمن اليوم لأكبر خطر مرّ عليه عبر تاريخه الطويل، وبات الخطر محدقاً بالجميع، ولا يهدد منطقة وحدها أو فئة من الشعب أو حزب من الأحزاب، بل صار ينال من اليمن كهوية تاريخية ووحدة وطنية ونسيج اجتماعي.

الإنسان والجغرافيا بأحمالهما المعنوية والرمزية يتعرضان للتدمير الممنهج، ولن تستطيع فئة من الشعب خوض المعركة منفردة، وإن ادعت ذلك فإنها تسهم في خدمة المشاريع المعادية لليمن، كما هو شأن اليمن الكبير الذي يستحيل أن تقوم له قائمة بدون شراكة اليمنيين في إدارة شؤونه.

 وعلى هذا الأساس ينبغي أن يكون لكل القوى السياسية والمجتمعية بكافة انتماءاتها موقف تاريخي موحد إزاء ما تتعرض له اليمن من تهديدات ومخاطر أحرقت نارها الجميع بلا استثناء.

المشروع الحوثي الكهنوتي المدعوم من إيران يعَدّ بوابة الكوارث التي حلت على اليمن، وهو الذي قاد اليمن إلى هذا الوضع الكارثي الذي يعيش أحداثه ومآسيه الجميع، وما دعوات التقسيم والتجزئة وملشنة الدولة إلا إحدى التداعيات المتجاوبة مع الانقلاب الحوثي المشؤوم، فالمشروع الحوثي هو المشروع الأم التي ولّدت مشاريع التقسيم والتجزئة في اليمن وصار التخادم بين تلك المشاريع المعادية لليمن معلناً وواضحاً للجميع، ما يحتم على كل القوى اليمنية أن تنبذ صراعات الماضي التي تسببت في عودة الكهنوت فإن استمرار تلك الصراعات هو الذي يعطي مليشيا الكهنوت الحياة والاستمرار.

تلك هي معركتنا الوطنية الوجودية التي ينبغي أن تمتد الأيادي وتتشابك لخوضها، بغض النظر عن التباين أو الاختلاف في بعض وجهات النظر، ولأجل صراعات الماضي التي كانت سببا في إسقاط الدولة وتنكيله بكل القوى الوطنية دون تفرقة أو تمييز وأصبح الكل مشرداً ملاحقاً.

على كل هذه القوى أن تكبر بحجم الوطن، وتكون بحجم التحدي، وتتعالى على الصغائر والثارات واجترار الماضي، وينبغي أن توحد صفوفها تحت مظلة الشرعية *فإن كل القوى بدون مظلة الشرعية ستتساوى مع الحوثي وتتحول إلى مليشيا لا شرعية لها،* ولذلك فإن العمل على استعادة مؤسسات الدولة والحفاظ على الجمهورية والوحدة، والابتعاد عن المناكفات التي لاتصب إلا في مصلحة الحوثي ومشروعه الظلامي؛ كفيل بأن يحقق حلم اليمنيين بإزاحة أكبر كابوس يجثم على صدر الوطن.

أتفق تماماً مع ما صدره ويصدره في كتاباته الدكتور العزيز عادل الشجاع، والمحامي محمد المسوري وغيرهما من قيادات المؤتمر حول ضرورة إعادة اللحمة والمصالحة بين القوى السياسية المؤمنة بالجمهورية والوحدة والمواطنة المتساوية، وفي مقدمتها الإصلاح والمؤتمر وبقية القوى الوطنية، حتى يستعيد الوطن عافيته وينتصر على الكهنوت الإمامي، وتعود الأمور إلى طبيعتها، ويتم استكمال الانتقال السياسي، وبناء اليمن الاتحادي، وتوسيع دائرة المشاركة السياسية لكل أبناء الوطن وقواه السياسية دون إقصاء أو تهميش لأحد، فالوطن يتسع لكل أبنائه وفقا للمرجعيات والثوابت الوطنية، ومنها مخرجات الحوار الوطني بكل ما تضمنته من معالجات لمختلف القضايا بما فيها القضية الجنوبية التي أولتها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني حقها من المعالجات وإصلاح الاختلالات التي رافقت الفترات السابقة،  الجميع يتمنى أن يعود الانتقالي إلى الرشد الوطني وينهي تمرده وانقلابه على مؤسسات الدولة، والالتزام بتنفيذ اتفاق الرياض ويعكس بذلك احترامه لراعية الاتفاق قيادة المملكة العربية السعودية الذين بذلوا جهوداً مشكورة لإنجازه باعتباره مدخلا مهما لعودة الدولة بكل مؤسساتها (رئاسة وحكومة وبرلمان) إلى عدن لتتفرغ لإدارة معركة التحرير وإسقاط انقلاب الحوثي، وإدارة الشأن العام، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، وإنقاذ عدن مما تعانيه اليوم من فوضى وغياب كافة الخدمات الأساسية، وفشل ذريع في إدارة شؤونها، كما أن الاتفاق يحقق هدف التحالف في بسط نفوذ الدولة على كافة التراب الوطني، وكما يعدّ الاتفاق مدخلا لتوسيع المشاركة، وتعزيز الشراكة السياسية لكل القوى الوطنية في إدارة المرحلة القادمة.

العَـلَم وقرين القرآن"، يقول محمد عزان مؤسس الشباب المؤمن، وصديق حسين الحوثي -قبل أن يختلف معه ويفارقه-: "إن الأعلام في نظر الحوثي هم أشخاص مُعيّنون بأمر السماء ليكونوا قدوة المجتمع وحاملي راية الهداية فيه؛ لذلك يجب أن يلتفّ الناس حولهم، ولا يأخذوا العلم والهداية إلّا عنهم، ولا يلتفتوا إلى أحد سواهم مهما بلغ من العلم والمكانة. وهم نوعان: 1-الأنبياء، الذين يعينهم الله لحمل رسالاته. 2-أعلام يعينهم النبي لهداية الأمة وقيادتها، وهذه المهمة محصورة في سلالة الحسن والحسين.

ومُهمة هؤلاء الأعلام -وفقًا لتصورهم- هداية الناس وتعليمهم أمور دينهم، ومهما بلغ الإنسان من علم ودراية في أمور دينه فلا يمكن له معرفة الإسلام الحقيقي وتفسير القرآن الكريم ومقاصده إلا من خلال "العَلَم"، وهو ما يؤكّد تسمية الحوثيين لزعيمهم حسين، بـ "قرين القرآن"، أي إنه مترجم للقرآن، والسبيل الوحيد في هداية الناس إليه.

مفاهيم تكفيرية

ويعزز الحوثيون في هذه الدورات إطلاق صفة "المنافقين" على اليمنيين المناهضين لمشروعهم، وهي صفة أطلقوها منذ اندلاع الحرب 2015م، وجعلوها صفة رسمية في وسائلهم الإعلامية وخطاباتهم الرسمية، ولا تعني صفة "منافق" إلا أنها عملية تجريد اليمنيين من إيمانهم بالإسلام، وهي أعلى درجات الممارسات الإرهاب ضد المواطنين؛ إذ يترتب على هذه الصفة إجراء حربي في استباحة الدم والمال تحت (جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم).

ويُصادف هذا الحشد من المفاهيم، مع إحاطتها بهالة من القدسية والتأثيرات التراجيدية في أقبية الدورات الطائفية، عقول شباب أقلّ تعليمًا، لا سيما في مناطق أقصى الشمال، فيعتقدون أن الحرب الجارية ما هي إلا صراع بين حق وباطل، وتسلب منه حرية التفكير والنقد، والنقاش والاعتراض، وحرية امتلاكه نفسه، فيندفع للحرب ضد إخوانه اليمنيين في المحافظات في سبيل مشروع هذه السلالة.

 وأخطر ما في هذه الدورات أنها تنزع من المستهدفين الشباب هويتهم اليمنية المؤمنة بدينها الصحيح، وإحلال هوية سلالية بأفكار إيرانية، إضافة إلى استخدام الحوثيين لهذه الدورات وسيلة لتفكيك المجتمع اليمني، واستهداف تماسكه ووحدته؛ من خلال تعزيز الخلافات المذهبية، وإثارة الصراعات التاريخية بين المسلمين، والتهكّم على الرموز الإسلامية كعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، الذي يُعدُّ رمزًا مقدسًا لدى عامة اليمنيين، وهو ما يزرع حالة من التشظي في صدور المواطنين.

 والخلاصة، فإن ما يسعى إليه الحوثيون من وراء هذه الدورات الطائفية هو إعطاب الهوية اليمنية في صدور الشباب، وتحويلهم إلى حالة من التيه في مسألة الهوية، وذخيرة في سبيل تكريس مشروع الولاية كبديل عن مشروع الدولة الجامعة، والاستمرار في القتال بهم في الجبهات؛ لمعرفة الحوثيين أنهم إذا لم يكونوا في حالة حرب مستمرة فسيكونون في تراجع مستمر.

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إبرازات

  • لتنفيذ الدورات الطائفية يعزلون الشباب في أماكن غير معروفة عزلًا تامًا، ويأخذون منهم هواتفهم النقالة، ويبدأ برنامج الدورات، وهذه البرامج تختلف باختلاف نوعية المستهدفين.
  • أخطر ما في الدورات الطائفية الحوثية أنها تنزع من المستهدفين هويتهم اليمنية المؤمنة بدينها الصحيح، وإحلال هوية بأفكار إيرانية، إضافة إلى استخدام الحوثيين لهذه الدورات وسيلة لتفكيك المجتمع اليمني، وضرب تماسكه ووحدته.

 

  • تعمل الدورات الطائفية على تعزيز الخلافات المذهبية، وإثارة الصراعات التاريخية بين المسلمين، والتهكم على الرموز الإسلامية كعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، الأمر الذي يزرع حالة من التشظي في صدور المواطنين.

 

  • يطلق الحوثيون صفة "المنافقين" على اليمنيين المناهضين لمشروعهم، وهي صفة أطلقوها على مخالفيهم منذ اندلاع الحرب 2015م، وجعلوها صفة رسمية في وسائلهم الإعلامية وخطاباتهم الرسمية، وهي عملية تجريد لليمنيين من إيمانهم بالإسلام؛ إذ يترتب عليها استباحة الدم والمال

مجلة (المنبر اليمني): مجلة شهرية تصدر شهريا عن المنبر اليمني للدراسات والإعلام، وهي مجلة جامعة تعنى بالشأن اليمني، وهي منبر لكل يمني، خطابها: اليمن الواحد الحر المتحرر من الظلم والطغيان والفساد والإجرام.

Whats App.: +967 7124 33504

الشبكات الاجتماعية