×

تحذير

JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 340

المعلم وصناعة المستقبل

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

أ.د. داوود عبد الملك الحُدابي

 أستاذ التربية بالجامعة الإسلامية العالمية- ماليزيا

  إن صناعة المستقبل ونموه وتطوره لا شك في أنه يعتمد على كفاءة مخرجات التعليم؛ لا سيما في مرحلة التعليم العام، ومن المعلوم أن من يقوم بهذه الصناعة بشكل أساسي هو المعلم.

 

لقد فشلنا كمجتمعات عربية أن نُحسن ونجوِّد عملنا في استقطاب المعلم، وتأهيله، والحفاظ عليه، وتنميته مهنياً بصورة مستمرة، وتفعيل دوره في صناعة التعليم، وتجويد مخرجاته.

ومن يشتغل في هذا المجال الحيوي عليه أن يتصف بصفات وقدرات أساسية تؤهله للإسهام الفاعل في صياغة مستقبل المجتمعات. فمن خلال المعلم ستتخرج وتُشكل وتصاغ شخصيات وكوادر في جميع مجالات الحياة، وسيكون منهم السياسي، والإعلامي، والمهندس، والمعلم، والعلماء، والمفكرون، والأدباء، والمخترعون، والباحثون، وغيرهم.

هذا المستقبل يجعلنا نفكر ملياً في حسن اختيار وتأهيل المعلمين لخطورة مآلات عملهم في العملية التعليمية.

الاستقرار النفسي، وعشق المهنة، والحكمة، والصبر، وحب خدمة الآخرين، والتمكن العلمي، والتفكير الإبداعي، والقدرة على التكيف مع البيئات المختلفة، والتمكن من أساليب واستراتيجيات التعليم والتعلم، ومعرفة شخصيات الطلبة، والقدرة على التعامل مع مختلف الشخصيات، وفاعلية الأداء وغيرها من الأمور؛ تمثل ركائز أساسية لسياسة الاختيار والتأهيل لصانعي المستقبل.

ما تقدمت دولة من الدول إلا وأوْلت المعلم اهتماماً بالغاً في هذا المضمار؛ نذكر اليوم فنلندا وسنغافورة كمَثلين على ذلك، حيث يتم اختيار صانعي المستقبل ومعلمي الموارد البشرية للعقود القادمة من أعلى خريجي الثانوية تحصيلاً، وأكثرهم استقراراً نفسياً، ومحبةً لمهنة التعليم، وعليه نجد من يلتحق بسلك التعليم في هاتين الدولتين هم النخبة أو الصفوة عقلياً ووجدانياً وسلوكياً.

تصدرت فنلندا وسنغافورة العالم في جودة التعليم قبل غيرها من الدول الصناعية الكبرى لهذا السبب الرئيس بصفة أساسية.

دعونا ننظر إلى واقع أمتنا؛ سنجد أنفسنا بوعي أو بدون وعي أننا نسهم بقوة في أن تصبح دولنا فاشلة اقتصادياً وعلمياً وتنموياً، وذلك من خلال الآتي:

 اتباع سياسات فاشلة في اختيار المعلمين فلا يلتحق بسلك التعليم إلا من تلفظهم الكليات والبرامج الجامعية الأخرى، مثل: الطب، والهندسة، والعلوم البحتة والتطبيقية، والعلوم الإدارية، وغيرها.

 سوء تأهيل المعلمين في كليات التربية؛  لا سيما ونحن نشغلهم بالمواد النظرية، ونبعدهم عن الواقع الذي سيقومون بالعمل فيه بوعي أم بدون وعي.

 عدم اهتمامنا بالجوانب السلوكية والوجدانية والقيمية والأخلاقية للملتحقين بهذا المسار؛ سواء في مرحلة الإعداد أم التأهيل أثناء الخدمة أم في عملية تقييم الأداء.

 تحويل هذه المهمة إلى مهنة مقابل أجر ضئيل لا يكفي لمتطلبات الحياة، فيضطر المعلم للعمل الإضافي؛ وهذا يؤثر سلباً على صناعة التعليم.

انعكس كل ما سبق في نظرة مجتمعية سلبية للمعلم، وتَدَنّى مستوى تقديره واحترامه، على عكس ما كان سابقاً من احترام للمعلم، وموقعه الاجتماعي المرموق، الذي كان يمثّل مرجعيّة للمجتمعات المحلية.

إن أخطر شيء قامت به مجتمعاتنا ممثلة بالحكومات المتعاقبة هو تكريس الوضع السيء للمعلّم؛ مما يُسهم حتماً في تدنّي مخرجات التعليم، ومن ثم تخريج أفراد لا يرقون إلى مستوى العطاء الفاعل، ويقودون إلى تشويه مجتمعاتهم بوعي وبدون وعي. وما عليك إلا أن تنظر إلى أداء المعلمين، والفساد المستشري في النظام التعليمي، وسوء المخرجات علمياً وسلوكياً؛ مما ينذر بشر مستطير في مستقبل المجتمعات العربية.

إن أخلاقيات وكفاءة المعلمين لهو مؤشر أساسي في التنبؤ بالمستقبل وآثار أدائهم يقود إلى كفاءات بشرية تُصَعّد إلى مواقع مختلفة في قطاعات المجتمع، ففي خلال ربع قرن نجني ثمار التخلف في جميع جوانب الحياة.

عندئذ لا نلوم الأعداء، بل نلوم أنفسنا كمجتمعات ومؤسسات ومنظمات وحكومات وأفراد؛ فالمخرجات والكفاءات اليوم المتربّعة على كراسي ومواقع عالية ومؤثرة في المجتمع هي من نتاج المعلمين، وما المعلمون إلا نتاج أنظمة تعليمية وقرارات سياسية متعاقبة.

فهل من مدرك للعواقب الوخيمة لسياسات المجتمعات العربية؟ إنه مؤشر خطير لا يجوز السكوت عنه، ومن شارك في السكوت فقد شارك في نتائج مثل هذا الوضع، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول : «الدين النصيحة»، فهذه نصيحة نقدّمها لمتخذي القرارات، ولجميع المنظمات والأفراد الحريصين على مستقبل مزدهر وتنمية شاملة لمجتمعاتنا العربية.

إننا بحاجة ماسة إلى سياسات جديدة توجه نحو اختيار  أفضل الكفاءات لمهنة التعليم عقلياً، ونفسياً، وأخلاقياً، وسلوكياً، ومن ثم إعادة النظر في برامج التأهيل لإعدادهم الإعداد المتميز؛ لكي يتمكنوا من القيام بأدوارهم بفاعلية.

كما أن التشريعات تمثّل ركيزة أساسية نحو تعزيز مكانة المعلم وتحفيزه؛ مما يساعد في رفع مستوى معيشته ورضاه، والذي -بدون شك- سينعكس على المحافظة على الكفاءات المقتدرة لتقديم خدمات تعليمية مميزة.

عندئذ نكون قد خطونا الخطوة الأولى نحو تحقيق مستقبل أفضل لمجتمعاتنا، من خلال رفده بكوادر بشرية مقتدرة وفاعلة، تسهم في النهوض الحضاري للأمة.

مجلة (المنبر اليمني): مجلة شهرية تصدر شهريا عن المنبر اليمني للدراسات والإعلام، وهي مجلة جامعة تعنى بالشأن اليمني، وهي منبر لكل يمني، خطابها: اليمن الواحد الحر المتحرر من الظلم والطغيان والفساد والإجرام.

Whats App.: +967 7124 33504

الشبكات الاجتماعية