×

تحذير

JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 340

نحو ميثاق شرف للمكونات السياسية والاجتماعية في اليمن

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

 

 (رؤية استشرافية)

 أ.د أحمد محمد الدَّغَشي

 أستاذ الفكر التربوي الإسلامي- جامعة صنعاء

 يظل الحديث عن اليمن الجديد المنشود -رغم ما قد يبدو فيه من تفاؤل مفرط بنظر البعض- الإيقاع الأكثر تناغماً مع سنن الله في الآفاق والأنفس، كما في الأولين والآخرين، بمختلف مللهم ونحلهم، وأقطارهم  وعصورهم،  حيث  لابد أن تنقشع  يوماً عتمة ظلمة الصراع العدمي، والحرب العابثة التي فرضها علينا بعض أبناء جلدتنا. ونرجو الله -جلّ في علاه- أن يكون  ذلك اليوم  أكثر قرباً مما نعتقد،  فيغدو الخلاف السنني السلمي عامل تمتين للأخوّة  الوطنية –ناهيك عن الأخوّة الإسلامية-  وآية  للاعتبار  والإفادة من كل محطات التاريخ   « وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ »[22] الروم،   ولذلك كان لابد من محاولة تقديم تصوّر لآليات التعامل بين فرقاء العمل السياسي والفكري في اليمن، من منطلق  التأكيد على أن الخلاف كان وسيظل واحداً من سنن الله  الكونية والاجتماعية «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ [1] وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ [2] وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ [3] إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ [4] فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ [5] وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ [6] فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ [7] وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ [8] وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ [9] فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [10] ٰ» [10-1] الليل.

 

إذا تم الإيمان القلبي، والاقتناع  الفكري والنظري بحقيقة أن الوطن يتسع للجميع، فلا مناص من وضع ميثاق شرف جامع لكل فرقاء الفكر والسياسة،  يمكن أن يصبح تأسيساً لقاعدة يشيّد عليها مسارهم لبناء  الوطن، وأحسب أن أهم ما ينبغي التركيز عليه في المرحلة القادمة القريبة بإذن الله ما يلي:

1 - الإيمان شعاراً وممارسة بحق الجميع في العيش المشترك، وفق الصيغة التي تبدو لكلّ طرف، بما يتضمنه ذلك من اعتناق للأفكار والرؤى والأطاريح الدينية والسياسية والفكرية، في ضوء ثقافة  المجتمع وفلسفته بثوابتها العامة اليقينية، وقواسمها الكليّة المشتركة، وأبرزها الدستور المأمول، والقوانين النافذة.

2 - الإيمان قولاً وفعلاً بالعمل السلمي، وتجريم استعمال القوّة المادية المباشرة، أو غير المباشرة، أو التحريض على ذلك، أو تبريره، بالنسبة إلى الأفراد أو الجماعات؛ ليبقى استعمالها مخوّلاً للدولة وحدها، تلك المحكومة بجملة الثوابت المشار إليها آنفاً، وفي مقدّمتها الدستور والقانون. 

3 - اتفاق الجميع على إخراج لغة التكفير الشرعي، أو التخوين الوطني أو القومي أو السياسي -بصورة عامة- من قاموس فرقاء الفكر والسياسة وأدبياتهم؛ ليحل محلها التحاور، والتثاقف، والإعذار إن تعذّر الإقناع، وتغدو مؤسسات الدولة القضائية –لا الأفراد أيّاً ما بلغ مستواهم العلمي أو الاجتماعي أو تضلّعهم في علوم الشريعة أو الدّين- هي ملاذ كل من يبغي إنصافاً خاصاً أو عاماً.

4 - بالنسبة إلى أهل المذاهب والاتجاهات الإسلامية خاصة -وأعني بهم فرقاء الفكر (الديني)- فإنّه لابد أن يعيد كل فريق النظر في جوانب من تراثه الفكري، ذاك الذي ينزع صراحة أو ضمناً نحو تكفير المخالف، أو استحلال دمه، أو التهاون في صون عرضه وكرامـته، تحت ذرائع ومبرّرات ربما نتفهم دوافعها وملابساتها بالأمس، لكننا لا نبرّر لها اليوم، ولا نقبل باستدعائها – من باب أولى- لكونها تتنافى مع جوهر التعاليم الإسلامية الحقّة، التي مقصدها التآلف، والتعايش، والتراحم، والتواصل «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»

[13] الحجرات،  وانطلاقـــــــــاً من الأحاديث النبوية الصحيحة:

  « من صلّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل من ذبيحتنا، فهو المسلم الذي له ذمّة الله» (رواه البخاري). « كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه» (رواه مسلم). « ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل  لعربي على عجمي إلا بالتقوى، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى» (رواه أحمد).

5 - لضمان التعايش المأمول فإنه من غير المقبول أن تستمر عملية  تصدير الأفكار الكليّة الخاصة بمجتمعات أخرى ذات ظروف موضوعية خاصة بها، لا علاقة لمجتمعنا بها؛ سواء في ذلك الأفكار ذات التوجّه (اللاديني) أم (الديني- المذهبي أو الطائفي)؛ لأن ذلك يدفع نحو مربّع الاحتراب الداخلي، مع أن ذلك لا يعني وقوفاً أو حيلولة أمام عملية البحث الفردي الحرّ، الذي قد يفضي إلى قناعات أو اتجاهات خاصة مخالفة للسائد داخل هذه البيئة أو تلك؛ إذ لا تمتلك قوّة في الأرض مهما كانت سيطرتها المقدرة على التحكّم في مسار حركة الفكر أو إيقافها، بيد أن المقصود هنا منع الشرعنة الرسمية لذلك على نحو مؤسسي رسمي؛ بهدف حماية مجتمعنا بكل مكوناته وشرائحه من ذلك التصدير (المدمِّر)، في ظلّ وضع اجتماعي هشّ خاصة مع خروجه من حالة حرب طويلة مدمّرة. ولعل من أبرز صور التهديد تلك: الشعارات الدينية  (العدمية) الوافدة على مجتمعنا، بما تتضمنه من عنف وتدمير وكراهية، ومثل ذلك المناسبات (الدينية) الوافدة، التي تدفع  في مجملها نحو ادّعاء الحق الإلهي لأسرة من أبناء المجتمع، وتنفي المشروعية عمّا عداها؛ ولذلك ظل مسلسل الاحتراب بين اليمنيين مستمراً طيلة أكثر من ألف ومائة سنة! وهذا ما ينبغي أن ينص الدستور القادم المأمول على تجريمه وتحريمه شكلاً وموضوعاً.

6 -  استلهام عِبر التاريخ  البعيد والمتوسط والقريب، ودروسه الإيجابي منها والسلبي، المضيء منها والمظلم؛ بهدف تعزيز نقاط القوّة من خلالها، وتلافي نقاط الضعف؛ للانتقال من خلال ذلك إلى صناعة التعايش اليوم بين الفرقاء الفكريين والسياسيين في مجتمعنا الجديد المنشود، وعدم الانجرار إلى أي منزع تاريخي سلبي قديم، تحت أيّ مبرّر مهدّد للسلم الاجتماعي اليوم.

7 - الاعتماد على مؤسسات التنشئة الاجتماعية، وفي صدارتها الأسرة، والمدرسة، والجامعة، والمسجد، والإعلام، ثم بقية مؤسسات التنشئة الأخرى، من جماعات، وأحزاب، ومنظمات سياسية وفكرية، ومنظمات مجتمع مدني، وسواها؛ لنشر ثقافة الوحدة في إطار التنوّع، والتركيز في ذلك على النماذج الناجحة في القديم والحديث؛ سواء في المجتمعات العربية الإسلامية أم في غيرها من المجتمعات الإنسانية، ولاسيما ذات التنوع الإثني، بعيداً عن الاستيراد للنماذج العلمانية الجاهزة أو (المكيّفة) ، وهي التي قد تصبح عامل صراع جديد أعنف وأشدّ، حين تفرض مجموعة (نخبوية) محدودة نموذجها (الخاص) على أغلبية متديّنة ساحقة، تؤمن بمنظومة الدين الشامل للإنسان ومشكلاته المختلفة، والكون وآفاقه الواسعة، والحياة وابتلاءاتها المتعدّدة.

مجلة (المنبر اليمني): مجلة شهرية تصدر شهريا عن المنبر اليمني للدراسات والإعلام، وهي مجلة جامعة تعنى بالشأن اليمني، وهي منبر لكل يمني، خطابها: اليمن الواحد الحر المتحرر من الظلم والطغيان والفساد والإجرام.

Whats App.: +967 7124 33504

الشبكات الاجتماعية