مقالات

×

تحذير

JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 340

الحوثي.. تاريــخ من الغــدر والخيــانة

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

ثابت الأحمدي

باحث في شؤون الفكر الإسلامي والتاريخ السياسي‏

 

من "شب على شيء شاب عليه" و"من شابه أباه فما ظلم". و:

إذا كان الطّباع طباعُ سوء     فلا أدبٌ يفيد ولا أديب

لن نأتيَ بجديد إذا قلنا إن البِنية السيكولوجية للنظرية الهادوية بنية عدوانية، كأي نظرية عقائدية، لا يتوقّف أمر تعاطيها مع الآخر في مسألة القبول به، أو التعامل معه؛ بل في نقض العهود، والاعتداء عليه في أخصّ خصوصياته، اعتداء ماديًّا ومعنويًّا معًا.

ويمثّل نقض العهود والغدر بالمواثيق واحدًا من تلك الاعتداءات التي جُبلت عليها الإمامة في اليمن ــ والحوثي أحد حلقاتها التاريخية ــ كثقافة وسلوك معًا منذ نشأتها الأولى في نهاية القرن الثالث الهجري وحتى اليوم، ذلك أنها تمارس السياسة مفصولة عن الأخلاق، وفقا للمبدأ الميكافيللي: "الغاية تبرر الوسيلة". وهي تمارس الحكم من أجل التحكّم الذي يترتّب عليه الامتياز الماديُّ والمعنويُّ، كما يترتّب عليه الكسبُ غير المشروع، من أيّ طريق كانت، وفقًا للمعتقد الشائع لديهم تاريخيًّا: "الحلال ما حلَّ باليد"...!

جاء يحيى حسين الرسي ــ إمامهم الأول ــ إلى اليمن لاجئًا، فمنحه اليمنيون شرف الضيافة، غير أنه انقلب على أدب الضيافة، وبدأ يستجلب أقاربه وبني عمومته من الجيل والديلم؛ ليؤسس لنفسه وأبنائه مجدًا سياسيًّا معلنًا:

بنيتُ لكم بيتًا من المجد سُمْكه       دوين الثريّا فخرُه مُتتابع

ألم تعلموا أني أجودُ بمهجتي       ومالي جميعًا دونكم وأدافع

فما أحدٌ يسعى لينعشَ عزّكم      سواي، وهَذا عند ذي اللبّ واقع

وخارجًا عن ربقة الخلافة الإسلامية القائمة آنذاك "العباسية" وعن دولة المسلمين، مفضلًا الكفّار عليهم، يقول في بني عمّه خلفاء بني العباس: ".. بل الكفّار الطغاة أوفى بالعهود منهم، وأحفظ لعهودهم منهم لعهدهم، وأقلّ اجتراء منهم في كثير من الأمور على خِلافهم، وهم في ذلك يدّعون "العباسيين" أنهم أئمة المسلمين، وقادة المؤمنين، وخلفاء الواحد الكريم، وولاة الواجد العظيم. كلا.. والذي نفسُ يحيى بيده، ما ولَّى الله أولئك في خَلقه، ولا قلَّدهم شيئًا من أمره، ولا أجَاز لهم أمرًا ولا نهيًا في شيءٍ من أرضِه". انظر: المجموعة الفاخرة، تحقيق: علي أحمد الرازحي، 537.

أيضًا انقلب على رؤوس القبائل الذين ساندوه، ونكث وعوده معهم، وقد ضمن ولاء بعض القبائل له، فحارب بعضهم ببعض.

وعلى ذات الوتيرة سار أبناؤه وأحفاده من بعده إلى يومنا هذا، وقد جعلوا من "التقية" دينًا، ومن الغدر عقيدة، وكلّ مواقفهم التاريخيَّة تثبت أنهم لا يجنحون إلى السلم إلا في حال الضعف فقط؛ وذلك لأخذ استراحة محارب، ثم الانقضاض من جديد؛ ولذا كثر الخروج والخروج المضاد خلال مسيرتهم التاريخية، فمنذ ولّي الحكم بعد يحيى حسين الرسي نجله المرتضى وحتى حكم بيت حميد الدين، ليس من إمام إلا ونقض العهد وخرج على مَنْ قَبْله، وليس من إمام إلا وخرج عليه مَن بعدَه، في سلسلة متوالية من النقض والغدر والانقلابات التي أحالت اليمن إلى جحيم من حروب أهلية مدمّرة، دمّرت فيها حضارة عمرها آلاف السنين؛ بل لقد خرج الابن على أبيه، وخرج الأخ على أخيه، وشواهد التاريخ في ذلك كثيرة.

لقد انقلبوا على جميع القيم والمبادئ الإنسانية خلال فترة حكمهم، متصرفين كعصابة لا كرجال حكم ضد الرعية والمواطنين، كما فعلوا مع المطرفية -الجماعة العلمية الاجتهادية الأولى التي خرجت من ربقة التقليد والتعصب-، وانقلبوا على أخلاقيات المجتمع ومبادئ الإنسانية في إعدام الرهائن من أبناء القبائل من الأطفال، كما فعل المطهّر بن شرف الدين مع رهائن خولان، ومع أسرى موكل في رداع، والقصة مشهورة ومعروفة؛ ولا تزال حادثة الاعتداء والغدر على الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- أحاديث الكثير إلى اليوم، وهو يطوف في الحرم المكي طواف الإفاضة في 10 من ذي الحجة 1353هـ 16 كانون الأول 1935م. فبعد الانتهاء من الشوط الرابع استلم الملك عبدالعزيز الحجر الأسود لإكمال الشوط الخامس، وإذا بشاب يخرج من حجر إسماعيل شاهرًا خنجره لينقض على الملك، فيحول سعود ابنه دون وصوله إلى والده، بإلقاء نفسه فوق أبيه، فسددت الطعنة إلى ظهر سعود الذى كان خلفه في ذلك الوقت، مما أدّى إلى جرحه جرحًا بليغًا في آخر كتفه الشمال، كما هرع اثنان آخران للانقضاض عليه، ولكن حرس الملك حالوا دون ذلك، وبعد التحقيقات كانت النتيجة أن هؤلاء مستأجرون من ولي العهد أحمد يحيى حميد الدين آنذاك، وتأتي هذه الواقعة الغادرة عقب اتفاقية 1934م بين الملك عبدالعزيز والإمام يحيى حميد الدين.

مؤخّرًا..

ــ منذ المصالحة اليمنية التي رعتها المملكة العربية السعودية في1970م بين الجمهوريين والإماميين، تنازل الجمهوريون عن بعض الثوابت المهمّة بإلحاح سعودي؛ من أجل توقيف الحرب ولمّ الشمل اليمني، ومع هذا فقد خانوا العهود، وعملوا على خلخلة بنية الدولة من الداخل، ليكللوا خيانتهم بعد ذلك بالانقلاب على المملكة العربية السعودية نفسها، بالتنكر لها، ثم التحالف مع إيران الخمينية عقب قيام ثورتها في 1979م، عدوة المملكة العربية السعودية، وفضلوا إيران الخمينية البعيدة على الجار القريب، على الرغم من الروابط التاريخية والمصالح المشتركة. وهاهم اليوم يمثّلون مخلبًا ناشبًا لإيران الخمينية ضد إخوانهم الأشقاء في الداخل اليمني، وضد المملكة العربية السعودية، بطائراتهم المسيرة وصواريخهم الباليستية، والاعتداءات اليومية في الحدود الجنوبية.

ــ ومنذ العام 2004م، وتفجيرهم الحرب الأولى، جنح النظام السابق كثيرًا إلى السلم والتصالح معهم، حدّ تنازله عن بعض الثوابت الوطنية أيضًا، ومع هذا فقد انقلبوا عليها جميعًا كلّما شعروا بقليل من القوة تمكّنهم من الزحف حتى شبر واحد تجاه العاصمة صنعاء، فقد انقلبوا على كلّ الاتفاقيات وهي بالعشرات.

ــ لن ننسى هنا الانقلاب على مخرجات الحوار الوطني الشامل في 2012م الذي مثّل مخرجًا وحيدًا لكلِّ مشاكل اليمنيين، وقد أجمعت عليه كلُّ القوى اليمنية، وباركته الدول الإقليمية الراعية والمجتمع الدولي، علمًا أن هذا الحوار لمصلحتهم هم بالمقام الأول قبل غيرهم، ومع هذا انقضوا عليه...!

 ــ أيضًا.. اتفاقية السلم والشراكة التي تمّ توقيعها عقب انقلابهم في 21 سبتمبر 2014م مع كلِّ القوى الوطنية، وأبوا إلا أن يتفرَّدوا بالحكم وإدارة الدولة على طريقتهم، فركلوا الجميع بين غمرة فرائحهم وانتشائهم بالنصر الموهوم.

ــ إلى جانب هذا ثمة لقاءات مكوكية ومباشرة مع قيادات الشرعية، وقيادات إقليمية لوقف الحرب وعودة مؤسسات الدولة، كلقاءات جنيف والكويت ولقاءات أخرى، جميعها انقلبوا عليها في صورة من صور الصلف السياسي المهووس بالسيطرة والتحكّم ونفي الآخر، ولسان حالهم: نحن أو الطوفان من بعدنا، في أسوأ تعامل "شمشوني" فاشل، لا يمتّ إلى السياسة بمفهومها المسؤول بأيِّ صلة.

ــ يصعب؛ بل يستحيل أن تفي هذه الجماعة بوعد واحد قطعته على نفسها، ذلك من المستحيل، ومن قبيل الوهم الذي نبيعه لأنفسنا أحيانًا، خاصة بعض الأغرار ممن لم يقرؤوا تاريخ الإمامة ويتأملون مسيرتها، سابقًا أم لاحقًا.

ــ ختامًا.. وعلى الرغم من مُرور مئات السنين؛ بل ما ينيف عن ألف ومئتي عام إلا أن هذه الجماعة التي تحمل فكرة الإمامة ونظرية الاصطفاء، لم تستطع أن "تَتَيَمْنَنْ" أو تصطبغ بالصبغة اليمنية الخالصة على ما في البيئة اليمنية من موروث حضاري عريق، فلا يزالون يحنُّون إلى بلاد فارس، ويعتبرونها السَّند والملاذ الأوّل والأخير، ومن يطّلع على "دامغة الدوامغ" للأديب أحمد بن محمد الشامي يدرك ذلك بوضوح ودون عناء، وهو يردّ على لسان اليمن الهمداني -رحمه الله- الذي تغنّى وفاخر بيمنيّته في ملحمته المشهورة: "الدامغة"، وقد ردّ على "دامغة الدوامغ" للشامي الأديبُ والمؤرخُ الشاعرُ مطهر بن علي الإرياني -رحمه الله- في ملحمة أخرى اسمها: "المجد والألم"، فأيّ غدرٍ وأيّ خيانة أكبر من خيانة الأوطان؟!

والحقيقة كما صورها الشاعر عبدالله حُمران، مخاطبًا هؤلاء القوم:

 

وهبناكم الحكم إذ كنتم تهيمون في بقعٍ خالية

وقلنا يمانون أهل لنا ولا عاشت القيمُ البالية

وصرنا لكم في المُلمَّات جندًا وصرتم بنا قممًا عالية

مزجنا خلال السنين الطوال دمانا بكم حرّة غالية

ولكنّكم رغم مرّ السنين بقيتم على أرضنا جالية!!

مجلة (المنبر اليمني): مجلة شهرية تصدر شهريا عن المنبر اليمني للدراسات والإعلام، وهي مجلة جامعة تعنى بالشأن اليمني، وهي منبر لكل يمني، خطابها: اليمن الواحد الحر المتحرر من الظلم والطغيان والفساد والإجرام.

Whats App.: +967 7124 33504

الشبكات الاجتماعية