مقالات

×

تحذير

JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 340

الحوثيون واستهداف المساجد ودور العلم .. الخلفية التاريخية

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

 

ثابت الأحمدي

لم يكن مستغرباً أن يكون الهدف الأول لميليشيا الحوثي استهداف المساجد، ودور العلم الشرعية، وحلقات تحفيظ القرآن الكريم، فبرغم أن هذه العصابة تنسب نفسها إلى القرآن تحت مسمّى "المسيرة القرآنية" إلا أنها من أشد الناس عداوة للقرآن، وحامليه، والمساجد، ومؤسسات القرآن.

إن ما ارتكبته وترتكبه ميليشيا الحوثي اليوم من تدمير وهدم للمساجد، والأربطة والمراكز العلمية، ابتداء من دماج في صعدة، مروراً بعمران وصنعاء وحجة وبقية مناطق اليمن، يأتي في إطار القضاء على خصومه السلفيين بدرجة رئيسية، بذريعة محاربة الإرهاب، وهو ادعاء سخيف ومكشوف أمام الرأي العام؛ كون هذه المساجد تُعنى بتخريج طلبة العلم الحافظين لكتاب الله وسنة رسوله، ومناهج العلوم الشرعية المعتدلة. وفي نظر ميليشيا الحوثي هؤلاء هم أخطر الناس على مشروعهم الفارسي الخميني؛ لذا يسعون إلى القضاء على الفكر السني الوسطي المعتدل من خلال القضاء على الجماعة ذاتها؛ ليخلو لهم الميدان. خاصة وقد ذاق الأمرين من طلاب مركز دماج في صعدة الذين واجهوه متسلحين بالعلم والعقيدة أكثر من السلاح التقليدي، فصمدوا شهوراً بين نيران أسلحته، في الوقت الذي سقطت معسكرات كبيرة في غضون أيام.

المساجد أولى حلقات الاستهداف

مساجد طلبة العلم ومراكزهم وحلقاتهم أخطر الأسلحة على الحوثي؛ لذا كانت _ ولا تزال _ من أولى أولوياته. وقد صرح بذلك علنًا زعيمُ ميليشياتهم العسكرية أبو علي الحاكم بأنهم تذوقوا المرّ في دماج.

وثمة مسألة أخرى، فإن الحوثي يرى في كلِّ فكر أو ثقافة تخالف فكره وثقافته خطراً يجب مواجهته؛ لأن أفكاره الزائفة، وثقافته الكهنوتية تتبخر وتتلاشى أمام فكر الشباب المنتمي إلى عقيدته الصحيحة، ولن ينسوا الشيخ مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله- وهو يفندُ أباطيلهم، ويردّ على شبهاتهم منذ عقود حتى توفاه الله.

وثمّة دُويبةٌ صغيرةٌ من الحشرات اسمُها "جُعَل"، لا تعيش إلا في الدِّمنِ والأماكنِ المتسخة، فإذا ما تم نقلها إلى أماكن الورد تمرض، فتموت. وفي هذا قال الشاعر:

إنَّ الصَّنيعةَ للأنذالِ تفسدُهم     كما تضرُّ رياحُ الوردِ بالجُعَلِ

وما أشبه الحوثيين في اليمن بهذه الحشرة؛ حيث لا تنتشرُ إلا حيثُ انتشرَ الجهل، ولا يكونُ لها وجودٌ إلا بين محدودي التعليم والثقافة؛ ولهذا فهي ضد النور.. ضد التعليم.. ضد الثقافة.. ضد المعرفة. ومن هنا نعرف سرَّ استهدافهم المتزايد دومًا للتعليم، ودُور العبادة، ومراكز الثقافة والتنوير. إنه السّلاح الاستراتيجي الأقوى الذي يخشونه أكثرَ من خشيتهم البندقية والمدفع. واستهداف الإمامة للتعليم والثقافة في اليمن قديم، ذلك أنهم يريدون تخليق أتباع كيفما اتفق، لا صناعة أجيال مستنيرة بالعلم؛ لأن سوءاتهم ستنكشف بالعلم، وكل الحوثيين وتاريخهم سوأة.

معالم التدمير الممنهج

وقبل استقراء معالم التدمير الممنهج لدور العلم والثقافة والمساجد ــ وهي السياسة المتبعة لدى كرادلة الإمامة قديمًا وحديثا ــ تجدر الإشارة إلى أن هذا الكيان يرى في نفسه أنه الوحيدُ الذي يحقُّ له دون غيره احتكارَ العلم، وتمثيله، والتعالي به على الناس؛ كون علمهم ــ حدّ اعتقادهم ــ علمًا لدنيا بالوراثة من جدهم رسول الله الذي ينتمون له ادّعاء. يقول إمامهم عبدالله بن حمزة في رسَالَةٍ وجهها إلى أهل مأرب أيام حُكمه: ".. واعلموا أنا أولادُ الرجل الصَّالح -صلى الله عليه وسلم- الذي شرع هَذِه الشَّرائع، وسنَّ هَذِه السُّننَ، وأوضحَ رسوم العدل، وطمسَ رسومَ الجور، فنحنُ أعلم النَّاسِ بآثاره وسُننه وطرائقه وعلومه، فلا تهلكوا أنفسَكم بالجهالة والعملِ على غير بصيرة، واعلموا أنا روينا عن أميرِ المؤمنين أنه قال: أيها الناس، اعلموا أن العلم الذي أنزله الله على الأنبياء في عترة نبيكم، فأين يُتاه بكم عن أمر تُنُوسِخَ من أصْلاب أصْحاب السَّفينة؟ هَؤلاء مثلها فيكم، وهم كالكهفِ لأصْحابِ الكهف، وهم بابُ السِّلم، فادخلوا في السِّلم كافة، وهم بابُ حطة، من دخله غُفر له.. واحْمدوا الله الذي أوصَلكم وقتًا تقتدون في دينِكم بعترة نبيِّكم، تأخذون الحَق من أهْله، وتقتبسون النور من معدنه، وتنتسبون إلى العترةِ الطاهرة التي خُلقت من طينةٍ عليين، ورُبيت في حُجورِ النبيين.." إلخ. انظر: مجموع مكاتبات الإمَام عبدالله بن حمزة، بتحقيق عبدالسلام الوجيه، ص: 18.

لقد أبقى الأئمَّةُ اليَمَنَ معزولا على نفسِه، ومنغلقًا على ذاتِه، حتى لا يرى الشَّعبُ نورَ العلم، فتنكشفَ حقيقتُهم على الملأ.

هدّم الإمام عبدالله بن حمزة مساجد المطرفية وأربطتهم العلمية كاملة، وكانت تمثّل حينها جامعات علمية مبكرة، فانتشر العلم، وبدأت الخرافة تنمحي، متجاوزين ما يسمّى بأفضلية آل البيت، فقام ابن حمزة وقتل طلاب العلم، وهدم مساجدهم وأربطتهم كاملة في سناع ووقش، وقَدْ قَال بعد أن تمكّن من القضاء عليهم: "أريد أن أجْعلها سُنَّة باقيَة يعملُ بها من قَام ودعَا من أهْل البيت فيما بعد". انظر السيرة الشريفة المنصورية، أبو فراس بن دعثم، 95/3.

وحينَ غزا آلُ شرف الدين الطاهريين إلى رداع قاموا بالسَّيطرة على أضخم مكتبة علمية في اليمن ومصادرتها، وكانت من ضِمن المنهوبات والغنائمِ، فضاعتْ دررٌ ونفائسُ عظيمةٌ بين هَذِه الحروب التي يكون من ضمنِ أهدافِها -إلى جانب القضاء على الخصْم- القضاء على ما يحملُ من موروثٍ وثقافةٍ وآثار، مع أنَّ هَذا الموروثَ هو أولًا وآخرًا ملكُ بلدٍ وحَضارةٍ وأمَّة، وليس ملكَ أشْخاصٍ بعينهم؛ بل لقد بلغَ الحالُ بالفئاتِ المهزومةِ في كثيرٍ من الصِّراعاتِ التَّارِيْخِيَّةِ أن اضطُرتْ إلى إحراقِ ما بحوزتها من وثائق أو مخطوطاتٍ بنفسها، خشيةَ مداهمة جند وأتباع الإمامة لمنازلهم وبيوتهم، فتكون من القرائنِ التي تدينُهم بأي توجّهٍ أو موقف.

تاريخ من الهدم

وذكر المؤرخ محمد علي الأكوع في كتابه "المدارس الإسْلاميَّة في اليمن" أن الإمَام المهدي محمد بن أحمد بن الحسن صَاحِب المواهب، ت: 1130هـ، كان أوّل من سعى في خراب المدرسة العامرية في رداع؛ لأنها في اعتقاده من آثار كفّار التأويل، وكفارُ التأويل لا حرمة لهم ولا قربى، لولا أن القاضي علي بن أحمد السماوي تصدّى له بقوة، محذرًا إياه من مغبة ذلك. فتوقف المهدي، واكتفى بهدم شرفاتها برًا بيمينه؛ لأنه كان قد أقسم على هدمها.! انظر: المدارس الإسْلاميَّة في اليمن، ص: 338.

لقدْ كان أولُ ما عَمله الإمَامُ يحيى عندَ دُخوله صَنعاء ـ بعد انتصاره على الأتراك العثمانيين وقَدْ رحلوا عن اليَمَنِ ـ أن هَدمَ دار المعلمين التي بناها الأتراكُ لليمنيين، وقضى على كثيرٍ من المعَالم الحضاريَّةِ التي من شَأنها أن تنيرَ عقولَ الشَّبابِ والنَّاشِئة.

ويذكرُ العلامة محمد المجاهد عن جيوش الإمام يحيى حين دخلتْ تعز ".. أنهم بدأوا بمهاجمةِ المتبقي من المدارسِ الرسُوليَّةِ والمساجدِ، فكسَّروا الزخارفَ، وقشروا القبابَ، بحثًا عن كنوزٍ وراءها، فكان وهْمًا مُدمرًا، ثم مزقوا مكتبةَ الأشرفيَّة تمزيقًا بغيضًا، وكانتْ عامرةً بروائعِ كتب الحقبِ والمخطوطاتِ النادرة، حتى إنه لم يبق فيها أثر". انظر: مدينة تعز غصن نظير في دوحة التَّارِيْخ العربي، 206.

وفي واحدةٍ من الحماقاتِ التاريخيَّة، وسِيَاسَة الهمجيَّةِ والحقد التي اتَّبعها هَؤلاء، أن عمدَ الإمَامُ يحيى عام 1928م إلى مُصادرة الوقف على أكبر مَدرسَة دينيَّة، وعُرفت عند البعض بجامعة الأشاعرة، كانت تُدرِّسُ مختلفَ فنون العلم في زبيد بتهامة. ولمدينة زبيد شهرتُها العِلمِيَّة  التي تجاوزتْ المحليَّة إلى القُطرية، وتوافد عَليْها آلاف المُريدين على ما يزيد عن ثمانمئة عام، وتخرج منها آلاف العُلماء في مختلف المجالات، ولم يبق بعد تلك المصادرة إلا المدارسُ الصغيرةُ، والكتاتيبُ الأولية؛ وتبع ذلك مصادرة العديد من أموال الأوقاف، وإغلاق المدارسِ في أكثرِ من مكانٍ على طول اليَمَنِ الأسْفَل. انظر: ثورة 26 سبتمبر في اليمن، جلوبوفسكايا إلينا، ص: 154.

مجلة (المنبر اليمني): مجلة شهرية تصدر شهريا عن المنبر اليمني للدراسات والإعلام، وهي مجلة جامعة تعنى بالشأن اليمني، وهي منبر لكل يمني، خطابها: اليمن الواحد الحر المتحرر من الظلم والطغيان والفساد والإجرام.

Whats App.: +967 7124 33504

الشبكات الاجتماعية