استطلاع/ سلطان أمين
أعيادنا في جبهاتنا، وتهاني العيد نرسلها من فوهات بنادقنا، هكذا يحتفي الجيش الوطني بعيد الفطر في الجبهات، ويعيش فرحتين معًا، فرحة العيد، وفرحة النصر، وسط رائحة البارود، وأهازيج البنادق، في تأدية واجبهم دفاعًا عن الوطن، بعد أن انتشر السرطان الحوثي فيه، وتوزع الموت في كل قرية ووادِ. في هذه الحرب التي أشعلتها المليشيات الحوثية: كيف يقضي الجيش الوطني عيد الفطر في الجبهات؟ هنا كانت بداية استطلاعنا الصحفي. عشرات من أبطال الجيش الوطني في جبهتي نهم، وصرواح أكّدوا في حديثهم للمنبر اليمني أن عيدهم في الجبهات ولا بديل إلا العودة بالنصر.
أعيادنا جبهاتنا
يقف النقيب ضيف الله الشرعبي قائد قطاع الحول في اللواء 314 في جبهة نهم شامخاً حاملاً بندقيته، ويده على الزناد، وعينه ترقب الغد، يقول: عيدنا جبهاتنا؛ لتحرير هذا الوطن من المليشيات الحوثية، ولاعودة لنا إلا بالنصر، أو الشهادة في سبيل الله.
وتابع ضيف الله حديثه قائلاً: إننا أتينا من جميع المحافظات لتحرير الوطن من المليشيات الحوثية التي طغت في البلاد، سألته عن شعوره وهو يقضي عيد الفطر في المتارس بعيداً عن أهله، أجاب بنفس اللهجة الصارمة: ..»أنا أعيش أجمل أيامي هنا» ثم مزج ابتسامة عريضة بعبارته الجميلة: «أعيادنا جبهاتنا»، وأفصح الضابط في حديثه عن اتصال والدته، فقال: «اتصلت بي والدتي صباحاً تهنيني بالعيد، وتقول: نحن نفتقد وجودك معنا، ولكن لا نفتقد وجودك في المتارس تدافع عن العلم الجمهوري في كل شبر من هذا الوطن، يقول الضابط: واختتمت حديثها بالدعاء لنا بالنصر، والصبر، والثبات، وهي تقول لي: نصرك الله، وسدد رميك يا بطلي، فلا عيد لنا إلا بالنصر الكبير، وتحرير هذا الوطن من هذه المليشيات الإجرامية.
صمودنا سيكون جحيمهم المرتقب
تمام الثانية ظهراً من يوم الزيارة لا زلنا نتنقل بين المتارس، برفقة الملازم أول هايل جبران ركن التوجيه بالكتيبة الثالثة اللواء 314، وأفراد مجموعته، يشرح لنا المناطق والتباب التي سيطر عليها الجيش الوطني، جبل سلطى، وتبة القناصين -الأكبر ارتفاعاً على المكان-، كان يوجد فيها عشرات القناصين من الحوثيين، طلبت الإذن بأخذ صورة لهذه الجبال والتباب، وتمت الموافقة على طلبي، على أن يبقى رأسي منخفضاً خشية القنص، أخذنا صورة للتباب والجبال، مع أخذ صور تذكارية مع هؤلاء الأبطال، يهمس أحدهم في أُذن القائد، وتحركات خفيفة منهم، قال لي الضابط: ابق رأسك منخفضاً، أدركت أن هناك شيئاً، الجميع استعد بسلاحه وبوضعية المحارب، ظلّ الأمر مشوباً بالحذر قليلاً، وكلٌّ في موقعه، تحرك أحد الأفراد، وإذا بإطلاق نار صوبنا بقناصة فجأة، انبطح الجندي على الأرض، ونحن احتمينا بالمترس، استمر القنص صوبنا ليرد عليه الأبطال بوابل من الرصاص، ازدادت الرصاص جوار الجندي بكثرة حتى ظننت أنه أصيب، زحف الجندي إلى أن وصل إلى المكان الآمن، ثم خرجنا بعد أن عاد الوضع الطبيعي صوب الجندي، رأيناه وهو يضحك، ويقول لي: لقد اعتدنا ذلك في عيدنا أو غيره من الأيام. يختتم حديثه قائلاً: صمودنا هنا سيكون جحيمهم المرتقب.
العيد هو أن ننتصر
العلم الوطني رأيته شامخاً على اليمين بالقرب من تبّة القناصين، طلبت القدوم لموقع العلم، «انتظر» -خاطبني الضابط- انتظرت بناءً على طلبه.
سيف1: حدد موقعك «الجهاز اللاسلكي» للضابط المرافق لي.
سيف2: أنا في الموقع ......
سيف 1: أنا مع الهدهد أراد مقابلتك.
سيف 2: استلمت، وصلنا إلى الموقع يصافحنا بحرارة النقيب منير الحكمي قائد مواقع في الكتيبة الثالثة اللواء 314، ثم سألته عن العيد في هذه المواقع، فأجاب: أي عيد؟ ويضيف: العيد حين ننتصر، وسألته: متى سننتصر؟ هزّ رأسه، وأجاب بمعنويات عالية، وثقة كاملة: النصر قريب، وإننا نراه قريبًا. العيد والفرح هو النصر للحق، وللمظلومين أليس كذلك؟
وأردف قائلاً:
مهما كان المتآمرون، ومهما كانت الظروف المحيطة بنا حالكة سننتصر، النصر لهذا العَلَم الشامخ -يشير إلى العَلَم اليمني المنتصب وسط الموقع العسكري في مقدمة الخندق- وسألني: هل تعرف لماذا يرفرف العلم؟ أجبته: لأن الرياح تحركه .. ابتسم وقال: لا.. بل لينثر نسيم الحرية والعزة والكرامة على هذه الجبال، حدثني المصور الذي رافقني للجبهات، فقال: أُثلجَ صدري بما سمعته، وأدهشتني هذه المعنويات التي يحملها أبطال الجيش الوطني، وصمودهم الأسطوري، الذي استمد قوته من هذه الجبال الشامخة.
مدافع الجيش تغرّد مع سمفونية النشيد التي تصدح بين هذه الجبال:
أشرقي تحت سمائي يا سيوفي
وانثري ضوءك في وجه الضيوفِ
وهبيهم سدةً مشرفةً
في جبينَ الشمس من عِزٍّ مُنِيفِ
وابعثي الأمجاد في موكبهم
وأريهم تُبَّعاً بين الصفوفِ
وأريهم باسلاً لم يقفِ
في مدى آمالِنَا أو يرجفِ
على وقع تلك المقطوعة الحماسية تركنا الموقع متجهين صوب موقع آخر.
حرائر اليمن يصنعن الانتصار
استوقفنا مشهد ختامي لكرنفالية عيد ذات طابع يمني أصيل، رائحة مميزة لكعك شعبي صنعته يد الحرائر لجبهات العز والكرامة، يوزع المُلازم ثاني عمر جبران في اللواء 314 جبهة نهم الكعك لأفراد مجموعته، ورائحة الكعك تفوح في المكان، رائحة لها لغة ستفهمها إذا أصغيت.
كان لنا نصيب من هذا الكعك المحشو بالتمر، والمكسو بالزبيب واللوز من جبال خولان ونهم...دون أن أتساءل تحدث جبران إلينا قائلاً: تصنع الحرائر لنا الكعك، ونحن نصنع العيد الكبير والانتصار المؤزّر من هنا، وندحر قوى الشر والانقلاب، «أُهَنِّئ رفاقي الأبطال في شتى الجبهات في الوطن بانتصاراتهم الكبيرة، وسنلتقي في اليمن الكبير -إن شاء الله- محرراً طاهراً من دنس المليشيات الحوثية».. ثم واصلنا مسيرتنا الاستطلاعية نحو المواقع المقابلة على اليسار.
قريباً سيعود العيد وأعود معه
تحركنا بسيارة مراد (أبو عبدالله) -أحد منتسبي الجيش الوطني في اللواء 13 المنطقة العسكرية الثالثة- بدأ حديثه: «اتصلت بزوجتي وأولادي صباحاً لمعايدتهم بالعيد، تجيبني زوجتي: مظاهر العيد غابت عن المدينة منذ أربع سنوات، في ظلّ المليشيات الحوثية، لكن أنت عيدي، أهنئ نفسي، وأطفالي بك، أنت بطل مقاوم للظلم»، يتابع أبو عبدالله حديثه: شكرتها، وقلت لها: قريباً سيعود العيد، وأعود معه.
كانت الطريق وعرة للغاية، وهو يتابع حديثه: لقد شققنا هذه الجبال بسواعدنا، ألسنا قادرين على دحر مسيرة الموت والهلاك؟! ثم يجيب عن تساؤله: لا تثنينا الظروف الصعبة، ولا حرارة الصيف، ولا برودة الشتاء، ولا وعورة التضاريس، عن مواصلة تضحياتنا ضد هذه المليشيات الانقلابية، ودحرها.
وصلنا إلى أحد المواقع العسكرية، وترجلنا من سيارته، وأخذ يستطلع الموقع بمنظاره، يلتفت صوبنا، وهو يتابع حديثه: «إيران وأذيالها ليسوا قوة حقيقية، ولا يملكون الحق أصلاً، لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بالكذب والخداع، ولا منجزات لهم تذكر سوى المزيد من المقابر الجماعية، وتفجير المساجد والمنازل».
تهاني العيد نرسلها من فوهات بنادقنا
على مقربة منا في المترس من الجهة الشمالية بضعة أفراد، وصدى ضحكاتهم تدفئ المكان، اقتربنا منهم وصافحناهم، سألت عن سرّ سعادتهم، أشار أحدهم إلى شخص على يميني، مساعد أول محمد أبو أصبع -أحد منتسبي لواء الزبيري، جبهة صرواح- صاحب نكتة، يلطف الجو، ويلاطف رفاقه الأبطال. حدثنا أبو أصبع عن العيد في هذه الجبهات الملتهبة قائلاً: عيدنا في الصفوف الأولى من الجبهات في كل المتارس دفاعاً عن هذا الوطن، أعيادنا الفتح، والتحرير، والحرية، والكرامة، مضيفاً: الجيش الوطني لن يتلقى تهاني العيد بعيداً عن المتارس، تهاني العيد نرسلها من فوهات بنادقنا. تغيرت ملامح وجهه إلى الجِديّة بعيداً عن النكتة متحدثاً: لن يتعكّر صفونا ما دامت هذه بيدي -وأشار إلى بندقيته- والله ناصر ومعين، ويضيف: الجيش الوطني في كل الجبهات ينام بعين، والعين الأخرى ترقب العدو، وترصد تحركاته، ويده على الزناد، وسنكمل مشوار التحرير حتى تشرق شمس الحرية في ربوع هذا الوطن من أفواه بنادقنا، كما تشرق شمس العيد بجمالها ودفئها، ويتحدث أحد أفراد الموقع معقباً على حديث «أبو اصبع»: «اخترنا المتارس على المنازل؛ حتى نتخلص من مسيرة الموت الحوثية».