مقالات

×

تحذير

JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 340

صناعة الجهل

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

  

  أ د. داوود الحدابي

قبل أن أبدأ الحديث عن صناعة الجهل أحب أن أُؤكد على مسلّمة أساسية وهي أن العبرة في حياتنا تعتمد على الحكم على النتائج أو كما يقول البعض المآلات المترتبة على أفعال الناس، فلا يهمنا أن نبحث عن نيات الناس فيما يقدمونه ولماذا يقدمونه ولكننا نستطيع الحكم على أنظمتنا التعليمية في ضوء النتائج والآثار لأنظمتنا التعليمية في بلادنا وعليه ينبغي النظر في مخرجاتها..

فالمتخرجون من المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية بشكلٍ عام بما يملكونه من قناعات وعقائد وأفكار وتصورات وقيم وأخلاق وأنماط سلوكية وأفعال.. هذا هو الذي يهمنا وهو الذي يمثل نتائج العمليات والأنظمة التعليمية اليوم بغض النظر عن التعليم أو نوعه أو نمطه.

التسليم بهذه المسلّمة أمرٌ في غاية الأهمية، حيث بناءً عليها نستطيع أن نحلل الواقع ونستشرف المستقبل، فمخرجات المؤسسات التعليمية هي التي ستقود المجتمع وستبنيه أو تهدمه بمعاول الهدم سواء بقصد أو بغير قصد، فقد يقوم الفرد بالهدم وهو يرى أنه يبني ويطور من وجهة نظره، والسبب في ذلك هو جهله المطبق الذي تربى عليه وترعرع في نوات الدراسة وتَطبّع عليه، فتصوارته وأفكاره خاطئة ومن ثم قراراته وأفعاله خاطئة تعكس الجهل الذي نشأ عليه.

دعونا الآن نتحدث بإيجاز كيف يُصنع الجهل في بلادنا رغم تزايد أعداد الملتحقين بالمدارس والجامعات وبقية المؤسسات التعليمية وحصولهم على شهادات النجاح منها، فمن الآليات الخاطئة التي تقود إلى صناعة الجهل:

 1- اختيار قيادات تعليمية وتربوية في جميع المستويات إما غير كفؤة أو كفاءتها متدنية ما ينعكس سلباً على قراراتهم في تسيير المؤسسات التعليمية. لا يختلف اثنان على أهمية ودور القيادة والإدارة في تطوير أداء المؤسسات وتحقيق أهدافها ورسالتها، فعندما يعتقد القائد أنه متعلم وكفؤ وهو على عكس ذلك تصبح المشكلة مركبة والجهل مركب لأنه لا يدرك جهله ولا يرغب في عملية التعلم من الآخرين وتجارب العالم في هذا المضار لأنه يعتبر نفسه عالماً وفاهاً. وهذا يؤدي إلى تردٍّ في المستوى وجهل في منهجية التفكر، فهو يعتقد أنه قد نال أعلى الشهادات وعلقها على جدران منزله بهجةً  افتخاراً وهو في الحقيقة أجوف والجهل يضرب أطنابه في ثنايا عقله وأقواله وقراراته وأفعاله.

2- التركيز على الأقوال والمظاهر والإعلام المبالغ فيه ما يعكس انفصاماً نكداً بين القول والفعل، وعلينا أن نقارن بن ما يقال في الإعلام ودراسة الواقع، سنجد دون أدنى شك أن الإعلام يجعلنا نتصور بأننا في مصاف الدول المتقدمة في الوقت الذي ننحدر فيه إلى الأسفل على جميع المستويات، مثل هذا العمل يجعل الناس يعتقدون أنهم متعلمون وهم أقرب للجهل منه إلى العلم، وقد سعت بلادنا أن تبالغ وتقدّم للجمهور بأنها قد حققت الكثير ورفعت من مستوى التعليم وجودته وفي الحقيقة قد عززت الجهل وقيمه الذميمة ليس فقط في المؤسسة التعليمية فحسب بل في مؤسسات المجتمع المختلفة.

3- اختيار وتعين معلمين يتسمون بضعف الكفاءة والأداء في جميع مراحل التعليم ومؤسساته إضافة إلى سوء إعداد وتنمية قدراتهم بشكلٍ مستمر ما يعزز الجهل لدى المتعلمين ويجعلوننا نعتقد أننا نقوم بعملية التعليم وفي الحقيقة أننا نصنع الجهل بأيدي ممن يسمون أنفسهم معلمين حيث لا يقوم المعلمون بأدوارهم بصورة فعّالة.

4- شيوع ظاهرة الغش، فأصبح الفسادُ شائعاً في النظام التعليمي وأصبحت للأسف الدرجات والشهادات تُباع وتُشرى ما يعزز صناعة الجهل بقصد ونية من فئة من الناس الذين باعوا القيم والأخلاق المهنية، فإذا كانت الشهادات والتعيينات أو تقييم العاملين في مجال التعليم لها أسعار محددة فقد وضعنا أسساً راسخة لصناعة الجهل بصفة دائمة ولا نرى أثرها إلا بعد نزول من يسمون أنفسهم متعلمين إلى الواقع وممارسة جهلهم  في الميدان.

5- ومن عوامل صناعة الجهل في بلادنا “مرض الشهادات” فأصبح الناس يبحثون عن الشهادات وليس العلم، فأصبح حاملو الشهادات لا يرقون إلى مستوى الشهادة التي يحملونها، للأسف أصبحت الدرجة أو المؤهل العلمي الجامعي والماجستير والدكتوراه لا تقيس مستوى علمي رصين، بل تولد تصوراً بأن الحاصلين عليها علماء فيصدقون أنفسهم ويتعزز الجهل في الواقع. وبدلاً من تعزيز التواضع العلمي وعشق التعلم تصبح الغطرسة والكبر هي السمة المعززة للجهل لدى هذه الفئة نتيجة لأن هدفهم الشهادة وليس النفع.

6- شيوع الصراعات بأنواعها في ربوع البلاد يجعل الطالب ينجح دون دراسة ويقوم على تعليمه من ليس لديهم الكفاءة اللازمة للقيام بدورهم التعليمي فأصبح التعلم مرتبط بالانتماء الحزبي والجهوي والطائفي والقبلي وغيرها من الأسس غير الموضوعية وغير المهنية وتصبح المعاير تعزز الجهل ولا تُذكي روح التنافس المعتمد على التميز في الأداء وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص والعدل في النظام التعليمي، أليست هذه صناعة للجهل؟!

7- عدم وجود أنظمة فعّالة أو عدم تطبيقها وكلاها سيان في النتيجة، فعدم توفر أو تفعيل الأنظمة في المؤسسات التعليمية يعنى بالضرورة سياسة تجهيل، فأمام الآخرين لدينا مؤسسات تعليمية ولكن واقعياً لا معنى لها، فالفساد يضرب أطنابه في جميع المستويات لا سيما من قبل من يسمونهم متعلمين، فالنظام أصبح لغرض الدعاية والإعلان والواقع يعكس اختراقات النظام وهذا بدوره يقود إلى التجهيل، فالفساد المالي والإداري هو الأساس وبلادنا من أسوأ البلاد في العالم فساداً ومحسوبية.. أليس هذا أكبر إسهام في تجهيل الشعب؟!

 

8- وأخيراً فإن الدولة لا تعتبر التعليم أولوية وهذا ينعكس على الخطط والموازنات والقرارات والسياسات والأنظمة والقائمين على العملية التعليمية في جميع المستويات، كل ذلك يجعل مستوى جودة التعليم في أدنى مستوياتها، وهذا ما تؤكده  الاختبارات الدولية وتقارير المنظمات الدولية من أن اليمن من أسوأ الدول في العالم في جودة التعليم، فانعدام أو تدني الكفاءة وشيوع الغش وضياع الأخلاق والقيم المهنية للقيادات والمعلمين وغياب الأنظمة الفعّالة وعدم اعتبار التعليم أولوية جميعها تقود إلى تجهيل في صورة متعلمين، قد نجد من يلبسون لباس العلماء والمثقفين ويعيشون ويمارسون حياة الجهل والتجهيل، ومثل هؤلاء سيقودون إلى جهل تراكمي أعظم، أي أن مستقبل البلاد في يد من صنعناهم من خال سياسة  التجهيل لأن العلم والعلماء والبحث العلمي في بلادنا ليسوا أولوية في سياسات بلادنا.

مجلة (المنبر اليمني): مجلة شهرية تصدر شهريا عن المنبر اليمني للدراسات والإعلام، وهي مجلة جامعة تعنى بالشأن اليمني، وهي منبر لكل يمني، خطابها: اليمن الواحد الحر المتحرر من الظلم والطغيان والفساد والإجرام.

Whats App.: +967 7124 33504

الشبكات الاجتماعية