×

تحذير

JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 340

الكيــان الإمامـي.. وحقيقة المعْـركة التّـاريخيّـة

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

 

 

    بقلم: ثابت الأحمدي

    كاتب وباحث 

لن نكون مبالغين إذا قلنا إن أزمتنا التاريخية مع "الكيان الإمامي" هي أزمة فكر وثقافة بالدرجة الأولى، أزمة كلمة، أزمة وعي. ذلك أن كل السلوكيات والتصرفات هي في الأساس تبعٌ للمعتقدات والتصورات، ولم تكن تلك التصرفات الهمجية التي يمارسها الحوثي وأتباعه إلا نتائج حتمية للمدخلات الفكرية والثقافية الخاطئة التي تَشبَّعَ بها، على حين غياب وإهمال من الدولة للجانب الفكري، وأيضًا لتساهلها في إدراك حقيقة الفكر الإمامي المتطرف، والمتوارث جيلًا بعد جيل.

جذور الفكرة الإمامية الحوثية

تقوم ثقافة الإمامة على فكرة "الاصطفاء الإلهي"، كما هو الشأن تمامًا لدى اليهود الصهاينة الذين يقوم فكرهم العنصري على مزعوم خرافي يقرر أنهم "شعب الله المختار"، وغيرهم همجٌ رعاع "جوييم". وهي ذات المعتقدات لدى الجماعات العرقيّة المتطرفة الأخرى، النازية أنموذجا. ونعرف جميعًا حجم الجنايات التاريخية التي اقترفها اليهود الصهاينة في حقّ الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين منذ العام 1948م وحتى اليوم، ونعرف حجم الكوارث المروعة التي ارتكبتها النازية بزعامة "الفوهرر"* في النصف الأول من القرن العشرين في أوروبا، والسبب تلك المعتقدات المتطرفة، وهو مزعوم تفوق عرقهم "الآري" على كل الأعراق الأخرى. ولو بوسع الكيان الإمامي في اليمن أن يبيدَ أكثر من نصف الشعب اليمني، مقابل أن يوطد فكره المتطرف لَفَعَل، وهو يعتقد أنه يتقرب إلى الله بذلك، وعمليًّا.. فله مجازر تاريخية لا تقل بشاعة عن مجازر هتلر وموسوليني ونيرون، وغيرهم.

الحوثيون ــ وهم النسخة الإمامية الجديدة ــ نبتة شيطانية، بحسب تعبير دولة رئيس الوزراء الأسبق الدكتور حسن مكي، وهم ورَمٌ خبيث؛ ولكنه ورَمٌ يسهل على المدى القريب والمتوسط استئصاله بمبضع الطبيب، لا بقذيفة المدفعية.. بحكمة ورويَّة وتخطيط مدروس.. بعقلية ذات بعد استراتيجي بعيد المدى، تستغل ــ فيما تستغل ــ بذور الشقاق وجذور الصراع المتأصل داخل بنية النظرية الإمامية ذاتها؛ لأنها تحمل بذور فنائها من داخلها، ولأنها تنتمي إلى الماضي لا إلى المستقبل، ووفقاً لفرضية ماديسون: "ما من قضية خبيثة إلا وتخون نفسها".

 

كيف عادت الإمامة بثوبها الجديد (الحوثية)؟

هذه الميليشيا "الكيان الإمامي" تمددت في الفراغ الذي كان يجب أن يملأه الساسة والعلماء والمفكرون.

كهوف مران نُحتت حين غابت المدارسُ والكليات ومعاهد الموسيقى والفنون، والبندقية حضرت حين غاب القلم.

عادت ثقافة الإمامة حين غابت ثقافة الجمهورية، ظهر السيد بعد أن غاب المسؤول، وتدخلت إيران حين غابت صنعاء والرياض.

ظهرت خرافة "الحق الإلهي" في الحكم حين غابت ثقافة الحقوق الطبيعية والحقوق المدنية والثقافة الإسلامية الصحيحة.

أوهمهم "السيد" الحوثي بالمستقبل حين جرَّدهم "المسؤول" في صنعاء من الحاضر، فآمنوا بقضية وهمية لم يفهموها أصلاً حين فقدوا إيمانهم بأنفسهم ومستقبلهم، وعادة ما يؤمن القطيع إيمانًا أعمى بالقضية التي لا يفهمها، كما يُقال.

غاب الشقيق الأكبر عن الحضور إلا في حده الأدنى، وبطريقة ليست على مستوى التحدي، وعلى مستوى الخطر.. فكان الأمر كما قال الشاعر اليمني الكبير، عبد الله البردوني:

لماذا العدوُّ القصي اقترب؟           لأن القريب الحبيب اغترب

لأن الفراغ اشتهى الامتلاء           بشيءٍ فجاء سوى المرتقب!

 

سلاح المواجهة

 

وفي تقديرنا ليس أقوى ولا أمضى من سلاح في مواجهة هذه الميليشيا وفكرتها الصلدة غير فكرة أو عقيدة الوطنية والهوية اليمنية الجامعة، فهي القادرة وحدها على القضاء عليها. وسيكون الأمر أكثر سهولة في الفترة القادمة حين يشعر الناس جميعاً بحاجتهم للدولة.. الدولة الضامنة للكل، دولة النظام والقانون بعد أن طحنت حروب الإمامة الأخضر واليابس، ليس ذلك فحسب؛ بل تستطيع الدولة القادمة أن تستغل حالة التعطش الكبير من قبل الشعب اليمني قاطبة للدولة.. الدولة الضامنة للجميع، فقد شبعوا حروباً، وملُّوا القتل والفتن..

 كما أن عقيدة "الاصطفاء السلالي" بفكرها الرجعي والكهنوتي قد احترقت واهترأت شعبياً. ولم يعد لها من نصير غير كرادلة الإمامة وأرباب الأفكار المنحرفة والتعصب السلالي؛ أما من عداهم فمن السهولة بمكان تخليق روح الانتماء للوطن وللأرض لديهم. وهذا كلّه رهن بالجدّ، وبالنَّفَس المتواصل دونما هوادة، وبعقيدة الوطن والانتماء للأرض. ومن يتأمل في صراع رجل ألمانيا الحديدي وموحد هويتها "بسمارك" مع غلاة الماركسيين يدرك كيف أخفق في مواجهة هؤلاء المتطرفين الذين تنكروا للهوية الألمانية، ولما سمي بمجد "الرايخ" يومها؛ لأن الماركسيين المتطرفين كانوا ذا روح عقائدية قتالية، ففشل بسمارك حين واجههم بالسياسة وحدها، والسياسة بمفهومها التجريدي هنا لا تجدي؛ ذلك أن الجماعات المتوحشة أميل إلى الحروب، وأقدر على التخريب والتدمير، وعلى العكس كلما انتشر الرخاء الاجتماعي مال الإنسان إلى الدعة ونبذ الحروب.

لو كان تم إرسال ذلكم الشباب إلى المعاهد والمدارس والجامعات لما وجد الحوثي شاباً واحداً يبيعُه الوهم والخرافة؛ بل لما كان الحوثي أصلاً؛ لأن الحوثي نفسه هو في المحصلة النهائية ــ وفي أحد أوجهه ــ واحد من الضحايا. ضحايا البيئة. ضحايا الجهل. ضحايا التغرير الإيراني. ضحايا دولة لم تهتم بأبنائها.. بإنسانها منذ طفولته.. أو هكذا يجب أن ننظر إلى الأمر من منظور أوسع.! عبد الملك الحوثي ذاته، كان يمكن أن يكون "عازف كمان" أو فناناً تشكيلياً من مدرسة "مايكل انجلو" أو ملحِّناً من مدرسة رياض السنباطي، أو عالماً في أصول الفقه ومصطلح الحديث.. كان ذلك جائزاً، وممكن أيضاً، لو تخرج من إحدى الثانويات العامة مثلاً، وجرى ابتعاثه إلى إيطاليا لدراسة الفنون، أو إلى ألمانيا لدراسة الفلسفة، أو باريس لدراسة القانون، أو أي دولة إسلامية لدراسة علوم دينه من منبعه الصافي.

وبحسب إيريك هوفر: "عندما يصبح المسرحُ جاهزًا فإن ظهورَ القائد الموهوب يصبح أمرًا محتومًا".

وعودًا على بدء، وبما أن جوهر قضيتنا التاريخية مع "الكيان الإمامي" ثقافية/ فكرية، فإن الحل لن يكون إلا ثقافياً فكريًّا، وقبله تعليميّاً، مع محاصرة هذا الكيان عن نشر أي فكر ضال أو منحرف من شأنه المساس بالثوابت الدينية أو الثوابت الوطنية "الجمهورية والوحدة" كقضايا أساسية، لا تقبل التجزئة أو النيل منها بأي صورة من الصور. مع الأخذ في الاعتبار هنا أن المسؤولية مشتركة بين الدولة اليمنية والمملكة العربية السعودية، باعتبارها المرجعية الإسلامية والعربية في الوقت الراهن. وكما يُقال: فإن الحرب ليست إلا وسيلة جادة لهدف جاد؛ إذ إن معركة بناء الدولة لم تبدأ بعد، والهدف الجاد هو بناء الدولة القوية المتجاوزة للعصبويات والأيديولوجيات العابرة للحدود، والتي تحترم أيضًا جيرانها، كما تحترم مواطنيها على حدٍّ سواء. ولا شك أن قيادة التحالف العربي، ممثلة بالمملكة العربية السعودية، تدرك هذه الأبعاد من جميع جوانبها، وتدرك حجم تطلعات اليمنيين في الوقت الراهن.

هوامش:

   * الفوهرر: (بالألمانية: Führer) كلمة ألمانية تعني القائد. في السياسة ترتبط هذه الكلمة بالزعيم النازي أدولف هتلر وهو فعليّاً الشخص الوحيد الذي حمل هذا المنصب.

مجلة (المنبر اليمني): مجلة شهرية تصدر شهريا عن المنبر اليمني للدراسات والإعلام، وهي مجلة جامعة تعنى بالشأن اليمني، وهي منبر لكل يمني، خطابها: اليمن الواحد الحر المتحرر من الظلم والطغيان والفساد والإجرام.

Whats App.: +967 7124 33504

الشبكات الاجتماعية