أ/ فؤاد الوجيه
يصعب على مجتمع يعيش واقعًا يستحيل معه وفيه أن يتقبل وعظًا ودعوة للصبر، ونظرة للغد بتفاؤل، لكن...ألسنا نرى زهورًا نبتت في صخور أكثر من موسم... صحيح أن معطيات واقعنا تذيب مؤشراتها سنح التفاؤل. ولكن...ليست النباتات الغضة عودها التي وضعت في صندوق محكم إغلاقه بأقوى منا بأسًا وأكثر منا عزيمة، أليست تظل تبحث عن منفذ للنور حتى تعلن عن نفسها للعيان. نعم ...تراكمت همومنا، وتعقدت، ساسًا ورأسًا، لكن.. للبذور قدرة على اختراق أكوام التراب المنهال عليه، والانطلاق للأعلى، مادام اﻷمل ماءها.
أعلم أن النصح في البلوى سهل التقديم، وصعب البلع في آن.. وأن ادعاء الحكمة والدعوة للصبر مثير للرفض، وقد عظمت البلوى؛ إنما: هل التشاؤم مركب للنجاة ..وهل يجدي النحيب ومطايا التعذر والمبررات سفينة للنجاة.
وإن لم يكن سوى اﻷمل سبيل.. فهل سواه انتظار الموت خلاصًا من ضيق الحياة.. لو كان كذلك لهلكت من قبلنا أمم وشعوب وجماعات، وكل من ضاق بهم درب، ونالوا من الظلم صنفًا أو أكثر من أصنافه، وتقطعت بهم سبل العيش، وتكاثرت حولهم المشقات، وانعدم كل أمان يستظلون بأكنافه. لنعلم أن الحياة مخلوقة مثلنا قابلة لليسر والعسر.. والخير والشر والنفع والضر، وأنا وأنت ونحن، من يجعلها بهذا أو ذاك.. فإن كنا -اليمنيين- ممن يدعون أنهم ممن ظلموا وممن للحق ينتصرون ..وعن العدل يبحثون.. وللخير يعيشون، فثمة حق لليمنيين في الحياة مسلوب، والسالب غالب مستقوٍ.
لم يعد هذا سرًا، إنما السر أننا لن نستسلم، لنجمع حولنا كل مظلوم واع لمظلمته، صادق الموقف، عارف بمشقة الطريق، وصديق هجرة، وللرحلة نعد عدة وزادًا، وﻻ غير اﻷمل قنديل ضوء وزوادة عناء ومركبًا للوصول .
نجمع منه قدر ما يمكننا، وبقدر المسافة وتوقعات المشقة ..للنجاح مدينة تنتظرنا هناك، لن يصلها نائم أو متكاسل أو يائس متشائم...وعلينا أن نخلص قافلتنا من كل مثبط للعزائم، منتظر للفشل والهزيمة قبل بدء الملاحم، سراقة أملنا في النجاة.
لأعدائنا في اليمن غفلات وصبر نافد وهمة ﻻ تطول؛ فهم مع الشعب خياراتهم تنفد، وللحق بجهد وصبر صاحب الحق حسم في اختتام...فمن يؤمن بالله ..فليعلم أنه القائل:(إن مع العسر يسرا)؛ ليس قبل العسر وﻻ بعده، لكنه معه؛ ففي كل عسر يسران، فإن آمنا بهذا فلنعلم: أن ﻻ إيمان بالله بلا يقين بعدله، وﻻ يقين بلا ثقة بنصره، وﻻ ثقة بلا أمل في انتظار وعده، وﻻ أمل لوعده لمن لم يجعله زاده في دعوته ورحلته ومقصده.
هاجروا إلى اﻷمل
إذا استحال العيش في وطننا واستفحل الطغيان واشتدت الكروب في المكان والزمان ...فمع اﻷمل بالله عدل مؤجل.. ﻻ يظلم بحكمه أحد، وﻻ ييئس من عدله إنسان ....
هاجروا إلى اﻷمل..
إن طغت جماعة عليكم.. وأعاد التاريخ نفسه بكم...وأخرجتكم من دياركم ..وحاصرتكم في الشعب والجبال.. وقطعت عليكم أقواتكم وأسباب عيشكم... فمع اﻷمل بالله عزائم من حوصروا في الشعب ﻷعوام وخرجوا من البلاء أكثر ثقة وإيمانًا.
هاجروا باﻷمل...
تزودوا ما استطعتم من الصبر والتكلان؛ فمع اﻷمل سيكلُّ الطغيان، وتمزق وثيقة الإجرام...ويبزغ فيكم شجاعة حمزة وقوة الفاروق.. هاجروا سرًا وعلنًا، واستعينوا بالصديقين منكم رفقاء للرحلة، وأهل الفكرة والمعرفة بمعالم طريق الفلاح والنجاح، واحذروا سراقة اليأس أن يتسلل إلى نياق ثباتكم وقافلة توكلكم ...
هاجروا إلى اﻷمل..
فمشقات الحياة مدمية بقدر الأجر والثواب... وأعداء الحياة في إثركم يطلبونكم خائرين مذعنين...فلا تهينوا وﻻ تحزنوا ..ما ظنكم باثنين... أنتم واﻷمل في غار قلوبكم موقنين...والله ثالثكم ..وكان حقًا عليه نصر المؤمنين...
هاجروا: مهما بعدت الطريق واشتد قيظ الكروبات..فمع اﻷمل..وبه..تنتظركم رايات الفرج مهلليين مكبرين...
هاجروا باﻷمل...
فليس غير اﻷمل بالله..ملجأ ومعين .
