مقالات

×

تحذير

JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 340

لكي يصبح الطريق سالكًا إلى صنعاء

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

د. كمال القطوي

 

العقائد المُحرِّكة:

في ثلاثينات القرن المنصرم صعد نجم هتلر على مسرح السياسة في ألمانيا، حيث تسلل من شقوق الأحزاب الألمانية المتصارعة، ليتحول من سابع حزب في ألمانيا إلى الحزب الحاكم! وقد ساعدته بعض النجاحات السريعة التي أحرزها في حقل الاقتصاد، فصفقت له الجماهير، ورحّب به معظم ساسة أوروبا، عدا تشرشل وقلة ممن كانوا يدركون خطورة العقيدة النازية التي تحكم تصرفات هتلر، وكانت تحذيرات "تشرشل" تواجه بالسخرية؛ إذ كانت نخبة أوروبا ترى أن خطوات هتلر التوسعية ستساعد في خلق توازن أوروبي! فلما طرقت قوات هتلر أبواب فرنسا وبلجيكا، صحوا من سكرتهم، وسلموا القيادة لتشرشل وأنصار نظريته الذين قادوا مشروع مواجهة النازية المدمّر حتى سقطت في عاصمتها برلين.

ما علاقة هذه القصة بالحوثي وصنعاء؟ العلاقة واضحة لمن امتلك شيئًا من البصيرة التاريخية، فالتمدد الحوثي جرى تحت سمع وبصر القوى السياسية المختلفة، بل إن بعضها هشّ وبشّ للجماعة الحوثية ووصفها "بالحركة الفتية"، وآخرون رأوا في الحوثي "جرّاح محترف"، فلما ذاقوا شيئًا من طعناته، أدركوا أنه يحمل خنجرًا لا مشرط طبيب!

أعتقد أن أوّل خطوة لتذليل الطريق إلى صنعاء، تكمن في الإجابة عن سؤال بسيط: هل الحوثي خطر وجودي على استقرار اليمن، أو لا؟ وهو سؤال على بساطته الظاهرة ينطوي على عمق الأزمة الحالية، ويكشف لنا بجلاء عن سرّ التعامل الهزلي مع الحركة الحوثية من يوم أن ظهرت في 2004م وحتى اليوم ونحن في بدايات العام 2020م. فالرئيس الراحل "تجاهل نصائح مستشاريه وتحذيراتهم من خطورة النازية الحوثية، ولم يفطن إلى أن التغلغل العقدي للإمامة في اليمن أخطر بكثير من تشكيلاته العسكرية والأمنية، ولم يستوعب خطورة هذا السؤال إلا بعد فوات الأوان، وقد دفع ثمنًا باهضًا جراء لعبة التوازنات المميتة.

إن أهمية هذا السؤال تصبح مُلحّة في موسم تتبارى فيه سفارات الدول البعيدة لتقديم الحوثي كشرط لضمان التوازن في اليمن! إذ يشير أحد سفراء الدول الأوروبية في شهر نوفمبر2019 إلى إمكانية تحويل ولاء الحوثي من المدار الإيراني إلى المدار العربي! وكأننا نتحدث عن بندقية للإيجار تتبع الممول، وليست جماعة تستند إلى إيدلوجيا سياسية تمتح من إرث عقدي متغلغل في التشيع، يحفُل بمدارسه مهما تباينت فروعها. فقد كتب المؤرخ إسماعيل الأكوع -رحمه الله - حول هذه العاطفة المتجذّرة بين الطائفتين قائلًا: وإذا جاءهم – أي الجارودية – رافضي استقبلوه بترحاب، في حين يناصبون العداء أهل الاعتدال. وهي ملاحظة تحدّث عنها قديمًا الشوكاني والمقبلي وغيرهم، ممن رصد القرب النفسي بين الجارودية والاثني عشرية، رغم التظاهر بالمخالفة. أما في عصر الثورة الخمينية فقد تطوّرت النواة الصلبة للحركة الحوثية من التمذهب الجارودي إلى المذهب الرافضي، وهذا التطور تراكم بفعل تأهيل مئات من شباب الجارودية في إيران وتشرُّبهم العقيدة الإيرانية؛ مما يجعل الحديث عن نقل ولاء الحوثي للعرب ضربًا من ضروب الوهم السياسي، الذي وقع فيه البعض في 2014م، عندما توالت الضمانات الخارجية للتأكيد على محدودية انقلاب الحوثي، وأنه لن يتجاوز شارع الزبيري في صنعاء، فلما وصل إلى كريتر عدن، أدرك المتابعون أن الضمانات طقس من طقوس السيرك السياسي الدولي لا غير.

لعبة الثارات الهزلية

تحتاج القوى السياسية في اليمن أن تعيد طرح هذا السؤال من جديد، هل الحوثي خطر وجودي على الاستقرار في اليمن، أو مجرد منافس تكتيكي لا غير؟ إذ لا يمكن للمتابع أن يفسّر حركة الاستنزاف للشرعية في الجنوب وفي غيره من المناطق التي ترتفع فيها الرايات المناهضة للحوثي بعيدًا عن مظّلة الشرعية، إلا أن هذه القوى تعيش أُمية سياسية، وتظن أن بإمكانها اقتسام الكعكة مع حركة استئصالية مثل حركة الحوثي!

وهناك نخب في الشمال تتحدث عن تعايش تاريخي بين الإمامة واليمنيين، ولست أدري متى شهدت اليمن هذا التعايش؟! هل شهدته أيام الهادي الذي كان يعلّق جثث خصومه على الأشجار، ويحرق أعنابهم ومزارعهم؟ أو في أيام إبراهيم الجزار الذي لقبه اليمانيون بالجزار لمهنته التي برع فيها بذبح اليمنيين؟ أو في عهد عبد الله بن حمزة قائد الإبادة الجماعية لسكان ضواحي صنعاء؟ أو في عهد المطهر بن شرف الدين الذي كان يتسلّى بقطع رؤوس الأسرى؟ أو في عهد أحمد حميد الدين وأبيه اللذين وضعا اليمن في حفرة تخلّف، لا نزال حتى اللحظة نحاول انتشاله منها؟ أو في عهد الإماميين الجدد، الذين سطّروا صفحات التعايش الدموي في دماج وعمران وتعز وعدن!

يصبح السؤال عن جدية خطر الحوثي ضروريًّا، حين نرى المسكونين بثارات الحرب الباردة وأحداث 2011م لا يزالون أسرى لتلك الحقب، ولم يستوعبوا بعد أن مسألة وجودهم يقررها غلمان النازية الجديدة، وأن إدمان لعبة الثأر يعني ضياع الوطن والثأر معًا، فلا أكثر حمقًا من موتور يهدم المعبد فوق رؤوس الجميع. إن كثرة السهام الطائشة التي تتناول الشرعية وقواها، ولا تملّ من كيل الردح لها، تجعل من هذا السؤال مفصليًّا لفهم حالة التشنّج المزمنة تجاه الشرعية.

ضبط البوصلة أولًا

 

أوقن كغيري أن اليمانيين قوم أولي بأس شديد إذا ما اتّحدوا، ويستطيعون حسم المعركة في أشهر معدودات إذا ضُبطت البوصلة. وأعرف كغيري أن اضطراب بوصلة الحرب، ينعش تجارة الحروب في جبال تستمتع بهكذا تجارة، كما حدث في الستينات حين اختلطت أوراق الجمهوريين فتاه الأحرار! وسؤالنا مدخل رئيس لإعادة ضبط البوصلة.

أما الذين سخروا من قوة الحوثي، وهوّنوا من خطورته – ولا يزالون – فمشكلتهم نابعة من سوء فهمهم للجماعات الوظيفية العقدية، وخطورة توظيفها في حروب رسم الخرائط؛ إذ تتحول الجماعات الوظيفية مع الأيام إلى منصّة لتمرير مؤامرات الغير؛ فاستخفاف السوفييت بقدرة الأفغان على مواجهة إمبراطوريتهم المحروسة بسبعة ألف رأس نووي، جاء نتيجة سوء تقدير لخطورة الجماعات الوظيفية؛ وكيف تحوّل الأفغان إلى منصّة  لإطلاق صواريخ "ستينغر الأمريكية" التي دمّرت الطائرات الروسية، وأذلّت الروس، إذ لم يكن ينقص الأمريكان أكثر من جماعة وظيفية تجيّش البشر لتركيع خصمها العنيد.

وقس على هذه حروب الوكالة في فيتنام وكوردستان وغيرهما؛ ومن هنا يدرك الوعاةُ سذاجة العقل السياسي الذي يتعامل مع الحوثي كظاهرة يمنية محلّية، وقد كانت المملكة العربية السعودية على وعي كبير عندما حشدت تحالفًا لمواجهة هذه الجماعة الوظيفية، لما تمثّله من خطورة وجودية على استقرار السعودية والجزيرة العربية برمّتها.

ما يحتاجه التحالف اليوم أن يدرك أهمية الرمزية التاريخية والسياسية لصنعاء، فيوم سقطت صنعاء تباهى الإيرانيون بسقوط العاصمة الرابعة في حضنهم، وهو تباه رمزي؛ إذ يدرك النظام الإيراني أن أمام الحوثي ثلاثة أرباع اليمن لم تسقط بعد، ولكن الرمزية السياسية لصنعاء منحت المقاتل الحوثي دفعة نفسية هائلة، جعلته يشمّر عن "مِعوزه" ولا يتوقف إلا في عدن.

ندرك كغيرنا تحدّيات التحرير، ونعلم أن النظام الدولي مولع بلعبة الأقليات، ولن يشجع على تحرير صنعاء، ولكنا نوقن كذلك أن النظام الدولي يؤمن بسياسة الأمر الواقع، فحين قررت الشرعية تجاوز الخطوط الحمراء في 94م وحافظت على وحدة اليمن، لم يجد النظام الدولي بدًّا من التسليم بالأمر الواقع؛ إذ كل ما يهمه أن يضمن مصالحه فقط.

لكي يصبح الطريق سالكًا إلى صنعاء، نحتاج إعادة تقييم خطر الحوثي من خطر تكتيكي يمكن الاستفادة منه في لعبة التوازنات المميتة، إلى خطر وجودي على الاستقرار في اليمن والجزيرة العربية؛ عندها يمكن أن نرى كتلة تاريخية يمانية تتداعى للخروج من حقبة التيه، وإعادة الدولة المختطفة.

مجلة (المنبر اليمني): مجلة شهرية تصدر شهريا عن المنبر اليمني للدراسات والإعلام، وهي مجلة جامعة تعنى بالشأن اليمني، وهي منبر لكل يمني، خطابها: اليمن الواحد الحر المتحرر من الظلم والطغيان والفساد والإجرام.

Whats App.: +967 7124 33504

الشبكات الاجتماعية