مقالات

×

تحذير

JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 340

رسائل الوجدان ... مشتاق يا صنعاء!

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

حسين الصوفي - كاتب صحفي

 

صنعاء مدينة ذات روح، حقيقة يُجمع عليها كل من زار صنعاء من غير اليمنيين، أما اليمني فصنعاء تسكنه وهو ساكنها، ويلهب الشوق شغاف قلبه حين يكون بعيدًا عنها، يغني لها المرهفون ولا يملون الغناء لها وعنها، يسكبون عبراتهم على أسوارها، وتزفر آهاتهم زمهريرًا لافحًا من فرط الشوق، مشتاق يا صنعاء.. والشوق غلاب!

لأن صنعاء مدينة ذات روح، لا تشبهها الحواضر، ولا تشغل عنها المسافات، فهي حداء المسافر، وغناء العاشق، وسميرة الولهان، ووجدان كل مضنى.

في عاديات الأيام وساكنات الليالي، يكون هكذا حال أرواحنا مع صنعاء الروح، أما وقد تعرّضت صنعاء للوجع، وقد غرز في صدرها خنجر فارسي مسموم؛ فلوعة الشوق لصنعاء ممزوجة بالخوف، ومعجونة بالقلق الفازع، والحنين الملتاع.

  • هوية عصية على التغييب

قبل خمسة أعوام أعلن الرئيس هادي أن "صنعاء عاصمة محتلة"، جاء إعلان فخامته عقب انتشار ميليشيا الموت في أزقة العاصمة التي كانت مكتظة بالحياة، يوم أن حطّ غراب الشؤم في ٢١ أيلول الأسود على جبين باب اليمن، ولطخ ناصيته "ببراز" يسمّونه الشعار، لوّثوا به جدران العاصمة وحياة اليمن واليمنيين. حينما صرّح المتحدث باسم خارجية إيران -وهو يستعرض بنشوة وتشفي خبيث-:"لقد أسقطنا صنعاء، إنها العاصمة العربية الرابعة التي بسطنا نفوذنا عليها"، لم يكن سوى الاحتلال المشؤوم، ولم يكن أمام الرئيس سوى البدء بقرع جرس الخطر الوجودي، وأقرب توصيف لما حدث أن "صنعاء عاصمة محتلة".

لقد كان الإعلان بمثابة ارتداء ثوب الحزن، والاستعداد لمقارعة كلّ صور الاحتلال، ومقاومته نفسيًّا وذهنيًّا وعسكريًّا وشعبيًّا وعربيًّا حتى تعود صنعاء إلى هويتها العربية*.

صنعاء ترزح تحت الاحتلال الفارسي حقًّا، فعلى عتبات أبوابها الشامخة رفعت رايات فارس، ومن صوامع مساجدها الباسقات تصاعد نعيق "الصرخة"، وساد الظلام، وخيّم الموت في شوارعها، وتسرَّب الوجع إلى كلّ عرق، وحيٍّ، وحارة.

جال الغرباء في أرجاء المدينة الهادئة التي ودّعت الفرح من محياها، واختفت البسمة من شفاه أهلها، غزى المحتلّ مدارسها المشيّدة، واستخدمها لغرس فكره الطائفي المريض، وحوّل قلاع العاصمة وأدوات الدولة ووسائل إعلامها ومرافقها إلى كهف لإنتاج السموم وبثّه ونفثه في أوردة اليمنيين وجدران صنعاء الخائفة، دورات طائفية، وحسينيات، وتسمّيات غريبة، وإحياء مناسبات دخيلة لا تمتّ بصلة إلى روح صنعاء ووجدانها، سعيٌّ حثيثٌ لتبديل هوية "آزال"، وتغيير وجوه سكّانها العابرين للزمن بصور الهالك الصريع "قاسم سليماني"، واستبدال أفراح العاصمة ومناسباتها وطقوسها الشعبية التاريخية بنواح متصّنع، ومسيرات بكاء ولطم على غرباء عاثوا في المدينة سوء العذاب.

 لقد حرص المحتل على تجريع صنعاء كلّ ألوان العذاب، ترك أهلها يموتون جوعًا بينما يجمع الأموال الطائلة وينفقها بسخاء لصٌّ لمعلّمه، ويكدّسونها في أرصدة حسن نصر في ضاحية بيروت، بينما اليمني يموت جوعًا ومرضًا.

  • لابد من صنعاء

ورغم كلّ هذه السنوات التي تمرّ أيامُها  ثقيلة على اليمني في صنعاء، إلا أنَّ الروح الخالدة التي تستمدّ قوتها من عمق التاريخ ولهفة النجاة من هذا الكابوس، بقيت تقاوم وستظل، ستظل تحتفظ بهويتها اليمنية العربية الأصيلة، ترسل الرسائل قوية واضحة حينما يلوح في الأفق برق خاطف، ويكسر الظلام ضوء خافت، تتوالى رسائل صنعاء مملوءة بالحياة، تنضح لهفة، وتلمع فرحًا بقرب الفرج، تمثّل ذلك حين شقّ أمل الثاني من ديسمبر غيوم الاحتلال، فتقافز اليمنيون رجالًا ونساءً، طاروا كالأسود الجريحة إلى ظهور أطقم الميليشيا الفارسية، ومزّقوا شعارات الموت، ونزعوا ألوانها المقززة من جدران الشوارع، وهللوا بقرب يوم الخلاص، وقالوا بلغة الأقوياء: إن صنعاء عصية على الاستعمار، ولا يمكن للاحتلال أن يكسر قلبها وروحها ووجدانها وهويتها.

لم يمت الأمل في القلوب، فجمرات الحرية تتقد في نفوس اليمنيين، ورغم تلاشي ضوء المحاولة الأولى في ديسمبر، إلا أن خفوته لم يكن ليتوقف، فقد أعادوا إرسال الرسائل المتوهجة في يوم آخر اختاروا أن يكون تحت غطاء "ثورة الجياع"، ولم يكن سوى يوم من أيام المقامة التاريخي، وأنين صادق جهروا به أقظّ مضاجع المحتل البغيض.

لا تزال رسائل صنعاء التوّاقة إلى الحرية تملأ "البريد الوارد" للحكومة والعرب جميعًا، كل أسبوع تضجّ بعض مساجدنا بترديد أغنية التشبث بالهوية الخالدة "بالروح بالدم نفديك يا يمن"، عند دعاء خطيب الجمعة للتأكيد على أن يمنيتنا جزء من طقوس الصلاة ووجدان العربي، قبل أن تكون تشويشًا بتأثير أثير عالٍ ونقي على نعيق الغراب الفارسي المشؤوم.

تتوالى الرسائل كلّ لحظة وكلّ حين، وأصلبها وأقواها هي تلك التي تغلفها أرواح الأبطال العظماء الذين يقتلون تحت التعذيب، والموت تحت التعذيب مقاومة في أروع وأعلى صور التضحيات الرافضة للاحتلال، يسطّرها "الفادون الكبار"، والتعبير والتوصيف والتأمل درس ألهمنا إياه أستاذنا القدير جمال أنعم.

الوقت يمرّ طويلًا -ربما اليوم يساوي عامًا فيما سواه- واليمني قال بكلّ وضوح إنه لم ولن يستسلم للاحتلال الفارسي الإيراني الطائفي، وهذا دورهم قاموا به ولا يزالون وسيبقون، بينما حانت اللحظة أن تقوم الحكومة والعرب معها بدورهم الذي لم يتأخر منذ إعلان الحداد، وبات بين صنعاء والحرية مسافة رأي العين.

مجلة (المنبر اليمني): مجلة شهرية تصدر شهريا عن المنبر اليمني للدراسات والإعلام، وهي مجلة جامعة تعنى بالشأن اليمني، وهي منبر لكل يمني، خطابها: اليمن الواحد الحر المتحرر من الظلم والطغيان والفساد والإجرام.

Whats App.: +967 7124 33504

الشبكات الاجتماعية