بقلم/ أنور بن قاسم الخضري
كاتب وباحث في الشؤون اليمنية
بمنطق الجغرافيا، والقومية، والدين، والتاريخ، والمذهب، لا ترتبط إيران باليمن في شيء. فإيران جغرافيا ليست جارة لليمن. والفرس لا ينتمون للعروبة نسبا ولا لغة ولا ثقافة؛ وفي حين كانوا قبل الإسلام عبدة نار كان العرب على ملّة إبراهيم حتى أصابهم شرك الأوثان. كما أنَّهم لم يرتبطوا بتاريخ اليمن إلا في القرن السادس الميلادي بعد دخولهم إليه عسكرياً نتيجة استنصار سيف بن ذي يزن بهم ضد الأحباش.
ومنذ قيام الثورة الخمينية بإيران -عام 1979م- عملت حكومة الملالي بطهران على تصدير الثورة إلى المنطقة؛ وبدأت تبني صلاتها مع الأقليات الشيعية خارج إيران وإن اختلفت معها مذهبياً. وقد وجدت في "زيدية" صعدة "الجارودية" بغيتها.
بناء الطائفية:
رعتْ حكومة ملالي طهران التواصل مع بعض "زيدية" اليمن الشمالي لإيجاد موطن قدم لها في جنوب الجزيرة العربية، واستطاعت استمالتهم إليها، واختراقهم عبر عقدين من الارتباط الفكري والثقافي والتأهيل، الذي بذلته لإخراج عناصر يمنية تدين بالانتماء للمذهب الاثنى عشري وبالولاء لحكومة جمهورية إيران الإسلامية. وكان "تنظيم الشباب المؤمن" النواة الأولى لاستضافة هذا التحول في المجتمع الزيدي. وبات التنظيم يعرف فيما بعد بالحركة الحوثية، نسبة إلى حسين بدرالدين الحوثي الذي ترأس الحركة ودخل في مواجهة مسلحة مع الدولة، وقتل على إثرها عام 2004م. من ثمَّ زاد نمو الحركة، ودخلت في حروب عدة مع الدولة، واستطاعت في 21 سبتمبر 2014م القيام بانقلاب على السلطة الشرعية باليمن.
باتت اليمن لأول مرة بعد ثورة 1962م أمام جماعة مذهبية مسلحة تنتمي إلى خارج مذهبها، وتوالي غير مجتمعها ودولتها، وتقومُ على رؤية طائفية متعصبة، وعوضاً عن معالجة أوضاع اليمن المحلية والالتفات لهموم المجتمع ومشاكله اتَّجهت الحركة لإقحام اليمن في صراعات إقليمية ودولية خاسرة وخارجة عن مقدوره وإمكانياته.
في مواجهة المدّ الطائفي:
وقفت حكومة الجمهورية العربية اليمنية في ثمانينيات القرن الماضي في أثناء الحرب العراقية- الإيرانية إلى جانب العراق؛ باعتباره مدافعاً عن العروبة ضد التمدد الإيراني الجامع بين القومية الفارسية والطائفية الشيعية تجاه المنطقة. وشارك عدد من أبناء القوات المسلحة اليمنية في معارك الدفاع عن العراق في حينه، وتمسّك الإعلام اليمني بموقف مؤيد للعراق في دفاعه عن أرضه وهويته.
وفي عام 1990م ومع قيام الوحدة، وإعلان الجمهورية اليمنية وفق نظام ديمقراطي تعددي، تشكَّلت أحزاب "زيدية" عدة على أساس مذهبي، وهو ما دفع عدداً من المتابعين للشأن السياسي للتحذير من خطورة خطوة كهذه -في حينها- داعين إلى إقامة الأحزاب على أسس وطنية يتشارك فيها جميع أبناء الوطن، إلا أن طبيعة التوظيف السياسي والخلاف المجتمعي القائم فرض بقاء هذه الأحزاب؛ وهي بدورها وفرت غطاء سياسياً لتحرك الطائفية تحت ستار وطني!
عقب دخول الحكومة اليمنية عام 2003م في مواجهات مسلحة مع حركة الحوثي، التي استثمرت واقعة سقوط بغداد في يد الاحتلال الأمريكي بتحالف إيراني للتحول إلى قوة عسكرية خارجة عن سيطرة الدول، شَعَرَ عموم اليمنيين بخطورة الدور الإيراني في اليمن، وعملتْ العديد من الصحف والمجلات ومراكز الأبحاث على رصد ظاهرة "حركة الحوثي" وامتداداتها السياسية والطائفية.
أدانت الحكومات اليمنية منذ عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وحتى عهد الرئيس عبدربه منصور هادي، في عدة مناسبات تدخُّلَ إيران في الشأن اليمني، وعلاقتها بحركة الحوثي، وتقديمها الدعم المالي والعسكري واللوجستي لها. وفي عام 2009م أعلنت الحكومة عن ضبط سفينة محملة بالسلاح مقدمة من إيران للحوثيين.
كما تحدث الرئيس هادي، أثناء زيارته الأولى للولايات المتحدة الأمريكية عام 2012م، عن تدخل إيران في الشأن اليمني، وعن القبض على خلايا تابعة لها في صنعاء. والشيء ذاته تحدث عنه رئيس الأمن القومي اللواء علي الأحمدي.
أخذ مسلك الرفض للتدخلات الإيرانية في اليمن منحى شعبي، فقد دعا خطباء المساجد إلى نبذ المذهب الاثنى عشري "الرافضي"، وعدم السماح لتغلغله في المجتمع. وعملت منظمات المجتمع المدني على إقامة فعاليات مختلفة تنبّه لخطورة إيران والثورة الخمينية، سواء في أوساط الشباب أو النخب المثقفة. بعض هذه الفعاليات كانت ندوات عامة، وبعضها دورات علمية، وبعضها محاضرات ثقافية.
ومع تهديد الحوثيين لصنعاء عام 2014م قام اليمنيون بمظاهرات عدة جابت شوارع المدن، نددوا فيها بالتهديد الطائفي الإيراني الذي يقف وراء مليشيات الحوثي المحيطة بصنعاء، ودعوا هادي للتحرك ضدها وإدانتها. كما قام اليمنيون في عام 2016م بمظاهرة أمام مبنى الأمم المتحدة لإرسال رسالة إلى مجلس الأمن الذي انعقد لمناقشة الشأن اليمني.
وعقب سقوط صنعاء أيَّد اليمنيون، بمختلف انتماءاتهم، موقف التحالف العربي الهادف لاستعادة الشرعية ومواجهة المدّ الإيراني في المنطقة؛ واعتبروا "عاصفة الحزم" تحولاً استراتيجياً في الموقف العربي تجاه اليمن. ووقفت الأحزاب السياسية والقبائل ومكونات المجتمع اليمني خلف الشرعية وجهود إسقاط الانقلاب المليشاوي المدعوم إيرانياً.