المنبر اليمني / خاص
أسئلة كثيرة تطرح في موضوع المنظمات الأممية ودورها في الإغاثة والتخفيف من حدة الأزمة، في ظلّ تهميش للمجتمع المدني، وغياب شبه تام لسلطة الشرعية، وتنفّذ كبير لقوى الانقلاب.
للوقوف على هــذا الموضوع وأبعاده، يَسعى هــذا التقرير للتعرّف على حجم التمويل الأممي المقدّم، ورصد أبرز الانحرافات التي تقع فيها المنظمات الأممية؛ حاملة راية المساعدات.
هناك محددات وضوابط دولية لعمل المنظمات الإغاثية، ومجالاتها، لكن كثيراً من المنظمات المحلية والناشطين تتهم المنظمات الأممية بالانحراف عن المسار الصحيح، وأنها تجترح مسارات تحرفها عن أهدافها المعلنة؛ سواء ما يتعلق بتبني القضية الإنسانية في اليمن، أم ترتيب أولويات التدخل الإنساني، وترشيد النفقات التشغيلية أثناء تقديم المساعدات، أم الخضوع لسلطة الانقلابين، وتحوير نسبة من الدعم لما يخدم أهدافهم ومصالحهم.
صوت خافت، لفاجعة كبرى
ينتقد كثير من نشطاء العمل الإنساني الصوت الخافت للمنظمات الأممية إزاء الحالة المتردية في اليمن؛ فرغم مرور ثلاث سنوات على الحرب الدائرة في اليمن لم تصدر المنظمات الأمية سوى نداءات محدودة، يرافقها حملة إعلامية متواضعة، تعرّف العالم بحقيقة الوضع الإنساني المتردي، وكان المفترض أن تقود تلك المنظمات تحالفاً عالمياً لإنقاذ 21 مليون إنسان يتضورون جوعاً.
وتشير التقارير أن هنالك خفوتاً أمميا في إدانة الجرائم التي ترتكبها المليشيا الحوثية؛ سواء في تجنيد الأطفال؛ أم في حرمانهم من التعليم، أم في استهداف المدنيين والاعتداء عليهم؛ حيث يقبع منهم في سجون الانقلابيين قرابة 14 ألف مختطفاً حسب تقرير وزارة حقوق الإنسان.
ناهيك عن قصف المدنيين وتفجير منازلهم؛ حيث استقبلت مدينة تعز وحدها 40 ألف قذيفة، أطلقتها مليشيا الانقلاب منذ بداية الحرب.
كل تلك الانتهاكات لم تحظ بعُشر الاهتمام الذي حظيت به قضية مثل دارفور التي استطاعت المنظمات الأممية أن تحشد لها تعاطفاً عالمياً أَجبر الحكومة السودانية على تعديل سياستها تجاه دارفور، ما يجعل المراقبين يشعرون بخيبة أمل تجاه التجاهل المستمر لمصير 30 مليون إنسان يقبعون في أسوأ أزمة إنسانية منذ مطلع القرن.
في مطلع هذا العام تقدم الأوتشا بخطة استجابة جديدة يرنو فيها لجمع 2.96 مليــار دولار، وقـــــد جاءت باكورة الدعم من الصندوق المركزي للاستجابة الطارئة التابع للأمم المتحدة، الذي وافق على تخصيص 50 مليون دولار لتعزيز الاستجابة بتاريخ 5 يناير من هذا العام.
غير أن ملاحظات جمة رافقت العمليات الإنسانية من أهمها:
هدر وترف
لاحظ الناشطون في العمل الإنساني، هدراً إدارياً ومالياً تمثل في النسب المخصصة للاستشارات والتنفيذ والتشغيل وصلت إلى %37 من إجمالي المبلغ الممنوح، وإذا أضفنا إليه النسبة التي تأخذها المنظمات المنفذة التي تبدأ من %7؛ فإننا بإزاء هدر لنصف المنح في قنوات التشغيل والاستشارات؛ هذا يعني أننا أمام عملية إدارية متضخمة تتغول على نصف الموارد! وهي نسبة مهولة جعلت الكاتب المتخصص في الشؤون الإنسانية «غراهام هانكوك» يتهم المنظمات الإنسانية بأنها تستغل حاجة الفقراء لأجل مصالح شخصية لموظفيها. ولكلامه وجاهة إذ عرفنا أن حجم النفقات التي تهدر مهولة، فعلى سبيل المثال تخصص الأوتشا في اليمن %1 من الدعم لبند مراجعة المشاريع المقدمة، وهو عمل فني محدود، يمكن أن يقدم بمبالغ مجزية أقل بكثير جداً من هذه المخصصات.:
مشاركة وطنية باهتة
ثمة مشكلة أخرى بحّت أصوات المنظمات المحلية وهي تشكو منها، تتمثل في الحضور الهامشي للمنظمات المحلية؛ سواء على مستوى التخطيط أم التنفيذ؛ فرغم للتغني المستمر للمنظمات الأممية بضرورة إشراك المنظمات المحلية في عمليات التخطيط ورسم الاحتياجات وتحديد أولويات التدخل الإنساني، ثم الرقابة، إلا أن ما يجري على الأرض أقل بكثير من المعلن؛ إذ يتحدث أحد النشطاء أنهم يحضرون باستمرار اجتماعات الأوتشا، ليجدوا أنفسهم أمام حزمة جاهزة من الخطط، وكأن حضورهم شرعنة للموجود، وفي مجال الرقابة لا وجود لأي دور رقابي على عمل المكتب يمكن أن يعزز من الثقة ويتلافى الأخطاء.
أما على مستوى التنفيذ فمن بين143 منظمة عاملة في اليمن بحسب رصد الأوتشا، لم تدرج الأوتشا سوى (34) منظمة وطنية ضمن برنامجها، حصلت 12 منظمة منها على دعم من الأوتشا خلال عامي 2015م/2016م بمبلغ 21,588,123 دولار، بينما حازت المنظمات الخارجية على بقية الدعم المقدم، تحت المبرر المزمن «ضعف القدرات الذاتية للمنظمات المحلية»؛ في حين تذهب المنظمات الدولية الوسيطة لإعادة طرح الدعم للمنظمات المحلية لتنفيذه بعد أن تكون قد اقتطعت نسبتها الإدارية، التي تبدأ من 7%، بينما لو تعاملت المنظمة الأممية مع الشريك المحلي لوفرنا هذه المبالغ لصالح المستفيد المباشر.
لوثة التَّسْيِيِس
ما يقلق المراقبين للعملية التمويلية هو أن ثمة تحيز لصالح منظمات تتبع الانقلابيين على حساب المنظمات النزيهة والمستقلة، فقد رصد ناشطون أن من بين 12 منظمة نالت دعماً من مكتب الأوتشا في العام 2015م/2016م، هنالك 8 منظمات استحوذت على 67% من التمويلات الممنوحة للمنظمات المحلية، تقودها عناصر تنتمي للانقلابيين وتأتمر بأمرهم؛ مما يعني أن النسبة الأكبر من المساعدات تتجه لخدمة مشروع الانقلاب، وهو ما حذّر منه العديد من النشطاء.
وقد رصد التقرير تمويل اليونيســف لــــوزارة التربية الخاضعة لسلطة الانقلابين الخــاص بطباعة المناهج التي قامـت الوزارة الخاضعة للانقلابيين بتحريف المنهج بمضامين طائفية تخلّ بالأهداف الوطنية التي أسست عليها المناهج، وقد استنكرت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافـــة (إيسيســــكو) تمويل اليونيسيف المتمردين الحوثيين، ما حدا بالمنظمة تعليق التمويل على الفور، إلا أن تكرار الأخطاء يثير مزيداً من الشكوك حول سلامة الرقابة على الأعمال المنفذة، ناهيك عما يؤكده كثير من النشطاء عن وجود تواطؤ خفي بين المنظمات وقوى الانقلاب، مردّه لعدة عوامل، أهمها: تغلغل العناصر الانقلابية في أروقة المنظمات الأممية؛ فقد رصد التقرير أن نسبة 40% من الموظفين الإداريين لدى مكتب الأوتشا ينتمون للكيانات الانقلابية، ما يجعل نزاهة واستقلالية المكتب على المحك.
غير أن ما أفزع المراقبين لأدوار المنظمات الأممية التحيز تجاه المدن المحاصرة؛ فالمناطق التابعة للمليشيات تحظى برصيد جيد من التمويلات، بينما تهمل مناطق أخرى ذات كثافة سكانية عالية واحتياج شديد مثل محافظة تعز، التي رصد لها برنامج الغذاء العالمي 27 ألف سلة غذائية، تبلغ قيمة السلة الواحدة (150دولار)، غير أن المنظمة المنفذة (مرسي كور) لم توزع سوى ثلث قيمة السلة؛ أي: (50 دولار)، ناهيك عن غياب التوزيع لمدة 6 أشهر في العام 2017م؛ حيث قام البرنامج بتحويل المساعدات لمقر المنظمة في صنعاء! ما تسبب في خيبة أمل وشعور بتحيز شديد تجاه المدينة المحاصرة منذ ثلاث سنوات.
كل تلك الملاحظات وغيرها، تستدعي مبادرات وطنية لتصحيح مسار عمل المنظمات الأممية، كي تفيئ إلى دورها الإنساني، وتسهم في تخفيف الأزمة لا مفاقمتها.